نظرة تاريخية لبداية تشكّل البنوك
في القرنين الخامس عشر والسادس عشر كانت النقود المستخدمة بشكل أساسي في ذلك الوقت هي الذهب، ولكن بسبب صعوبة نقل كميات كبيرة من الذهب والخشية من السرقة، بدأ الناس يبحثون عن شيء يحفظ لهم ذهبهم كي يحمونه من السرقة، فبدؤوا يضعون الذهب لدى الصاغة.
ويقوم الصائغ بدوره بإعطاء إيصال مقابل هذا الذهب للمودِع، وقد نالت هذه الإيصالات قبولاً من الناس، حيث سهلّت عليهم التعامل، ولأنَّهم يعلمون باستطاعتهم استبدال هذه الإيصالات بالذهب متى يشاؤون.
ومع الزمن لم تعد الناس تسحب هذا الذهب، وأصبحت الإيصالات تستخدم كشكل من أشكال العملة الورقية، لأنَّها أسهل استخداماً، حيث لم يعد من الضروري الذهاب إلى الصائغ لسحب الذهب ودفعه للبائع، يكفي فقط إعطاء البائع الوصل.
في بداية الأمر كان هناك ما يسمى بالتغطية الكاملة للودائع، أي كلُّ الموجودات لدى الصائغ من الذهب والفضة مساوية لقيمة الودائع، أي أنَّ الصائغ يحتفظُ بالودائع بنسبة 100% أي جميع الإيصالات التي يصدرها الصاغة مغطاة بالذهب بنسبة 100% .
وبعد فترة من ذلك لاحظ الصائغ أنَّ الناس لم تعد تسحب ذهبها بشكل متكرر، وأصبحت تتعامل بهذه الإيصالات كونها أسهل وأسرع بالاستخدام، وكونهم واثقين بأنَّهم قادرون على استبدالها بالذهب متى يشاؤون.
وهنا بدأنا مع ما يعرف بالتغطية الجزئية، وتعني ذلك أنَّ الصيّاغ لاحظوا أنَّهم لم يعودوا بحاجة إلى الاحتفاظ بكلِّ الذهب بنسبة 100%، بل يحتفظون مثلاً بنسبة 40% لتلبية طلبات السحب اليومية، ويقومون بإقراض 60% المتبقية مقابل فوائد ليزيدوا بها دخلهم بدل من أن يبقى الذهب مكدّساً دون فائدة، وفي هذه المرحلة تحوَّلت أماكن عمل الصياغ من أماكن لإيداع الذهب إلى مؤسسات شبيهة بالبنوك.
في الأحوال العادية لن يقوم الناس بسحب جميع ودائعهم من الذهب طالما كانوا يشعرون بالأمان والثقة، وسيكون الصائغ مرتاحا في هذه الحالة ويجني كميات كبيرة من النقود.
أمَّا في حال زوال هذه الثقة لدى الناس، كحدوث شكوك بعدم قدرة الصائغ على تلبية طلبات السحب جميعها، فإنّهم سيقومون بسحب جميع ودائعهم من الذهب، والتي لا يحتفظ بها الصائغ كلّها، وهنا سيضطر لإعلان إفلاسه . إضافة إلى أن بعضهم صار يقرض الإيصالات .
آلية عمل البنوك
عمل البنوك في هذه الأيام يختلف عن عمل الصَّاغة سابقاً، حيث أصبح هناك بنك مركزي يفرض عدة احتياطات على البنوك، وأحدها ما يعرف بالوديعة المجمّدة، وهي عندما يفتتح المصرف لأول مرّة يقتطع البنك المركزي نسبة معينة من رأس مال المصرف الجديد، ولتكن مثلا 10%، توضع في البنك المركزي، وهي غير قابلة للتحريك، وذلك في حال تعثر البنك .. الخ
وهناك نسبة أخرى تسمّى بالاحتياطي القانوني، يفرضها البنك المركزي على بقية البنوك، حيث يقوم بالاحتفاظ مثلا بـ 10% من الودائع لديه، فإذا كان هناك بنك مثلاً لديه ودائع بقيمة 100 مليون، فإنَّه سيضع 10 مليون كاحتياطي إلزامي في البنك المركزي.
ولكن كما أسلفت مسبقاً في حال زوال الثقة لدى الناس، ويحدث ذلك في الأزمات والحروب على سبيل المثال، فيقومون بسحب كلِّ أموالهم، والتي لا يغطي المصرف سوى جزء منها، وعندها سيضطر لإعلان إفلاسه.
إنَّ العمل الأساسي الذي تقوم به البنوك ما يسمّى بخلق الائتمان Money Creation حيث هناك نوع من النقود يسمّى بالنقود الخطية، تقوم البنوك بإضافتها إلى الدورة المالية، حيث يزيد المعروض النقدي دون أية إضافة فعلية للعملة الورقية.
على سبيل المثال: عندما نذهب إلى المصرف لنطلب قرض بـ 100 ألف دولار ما لذي يحدث هنا؟
سيفتح لك حساب في هذا البنك، ويتم فيه إدراج 100 ألف دولار في حسابك دون سك أي نقود معدنية أو طباعة عملة ورقية، حيث تدرج هذه المئة ألف في حسابك على شاشة الحاسوب، فتبدأ بدفع الفوائد على مال لم يكن متوفر على الإطلاق (حيث تمّ أخذه من وديعة شخص آخر وإعطاؤه لك)
نسبة الاحتياطي الإلزامي في الولايات المتحدة هي 10%، أي في حال وضعت 10,000 آلاف دولار في المصرف سيقتطع المصرف منه ألف دولار ويقرض بقية المال (9000) لشخص آخر، حيث اشترى هذا الشخص بضاعة بـ 9 آلاف دولار وتمَّ تحويل المبلغ لصاحب البضاعة والذي وضعه في بنك آخر بحساب جديد.
حيث يقوم البنك باقتطاع 10% ويقرض ما تبقى، وتتكرر هذه العملية إلى أن تصبح العشر آلاف دولار الأساسية مئة ألف دولار، حيث خلق النظام المصرفي في هذه العملية 90 ألف دولار من خلال إقراضه لأموالك !!