محمود الناصر
يبقى الطفل الضحية الأكثر تضرراً من تداعيات الحرب في سوريا في ظلِّ غياب الأسس التربوية الصحيحة.
وتبرز ظاهرة العنف عند الأطفال بين (4-11سنة) في الألعاب القتالية كالمسدسات والبنادق التي باتت الأكثر رواجاً في محلات ألعاب الأطفال دون وعي أو إدراك بخطورتها على مستقبل الأطفال، وكانعكاس لواقع الحرب الذي يعيشه مجتمعنا نجد ولع الكثير من الأطفال باقتناء تلك الألعاب من الأسلحة البلاستيكية، والتي تكرس ثقافة السلاح والانتقام والعدائية في عقولهم منذ الصغر، وتعمل على إبعادهم عن الجوانب التعليمية والإبداعية، والأدهى من ذلك هو أننا أصبحنا نرى نتائج انعكاساتها في قيام بعض الأطفال بممارسة الألعاب القتالية كلعبة (ثوار وشبيحة) في الأحياء والحارات حاملين الأسلحة البلاستيكية كتقليد لأدوار، وثقافة يعيشها مجتمعنا، ممَّا ينعكس على سلوك الأطفال، ومصدر خطر على نفوسهم وأجسادهم وبالأخص على عيونهم؛ لأنَّ معظم هذه الأسلحة تذخر بالخرز، وقد انتشرت هذه الألعاب في حالة غياب للأنشطة الترفيهية والتربوية والرياضية التي تفرغ طاقات الطفل وانفعالاته في المناطق المحررة.. ومع انتشار هذه الظاهرة وبدون إدراك مجتمعي وبدون تنبّه الأسرة حول مخاطر ظاهرة انتشارها على مستقبل الأطفال كان هذا التحقيق.
فالألعاب التي تنمّي مواهب ومدارك الأطفال قليلة جداً في المناطق المحررة، وهو ما يجب التنبّه إليه للحد من انتشار هذه الألعاب التي تحمل طابعاً عدائياً وخصوصاً السلاح الذي يكرّس ثقافة لا تخدم مستقبلهم وتطلّعاتهم في التعليم.
الألعاب القتالية:
في إطار تلك المخاطر تحدّث الأستاذ علي العتك نائب نقيب المعلمين في سوريا قائلا: “إنَّ ظاهرة رواج الألعاب الخطرة والألعاب القتالية عند الأطفال في المناطق المحررة في مواسم الأعياد تتحمل أسبابها غياب الدور الفعال للمؤسسات التربوية والإعلام ومنظمات المجتمع المدني والأهل بالدرجة الأولى، وإنَّ غياب الرقابة وإهمال الوعي عند الأهل بمخاطر تلك الألعاب على أطفالهم، والتي قد تساهم في تنمية السلوك العدواني لدى الأطفال الذين بات الكثير منهم يجسّدون مشاهد الحرب التي يتأثرون بها من البيئة الثقافية المحيطة وجو الحرب السائد مع طول أمد الصراع وانتشار المظاهر المسلحة، ناهيك عن نشرات الأخبار وما تعرضه الفضائيات من مسلسلات في الفترة الأخيرة، كل ذلك يشعر الطفل بعدم الأمان وزيادة تعلقه بالألعاب التي تحاكي أدوات القتال المتوفرة في السوق، وهذا نتيجة طبيعية للثقافة الحالية التي يعايشها الأطفال والتي أصبحت جزءًا من حياتهم اليومية”.
وعند تطرقنا لفوضوية وخطورة هذه الألعاب التقينا الآنسة رنا الحلبي مديرة مدرسة ابتدائية والتي أجابت بقولها: “إنَّ مشاعر الأطفال وتصرّفاتهم تختلف عن الآخرين؛ لأنَّهم يعيشون حياة مختلفة عن الآخرين، فهم يحبون الضوضاء ويمارسون أعمالاً مزعجة، وفي الجانب النفسي نجد الأطفال يبحثون عمَّا يسعدهم، لا تهمهم عواقب أفعالهم التي يمارسونها، لأنَّهم لا يدركون أنَّ الألعاب البلاستيكية منها ما يؤثر في الإنسان بشكل ضار وخطير بما يترتّب عليها من إصابات جسدية.”
وتُضيف “إنَّ الأخطر من ذلك كله هو الحالات النفسية التي يتأثر بها الأطفال وترسخ فيهم ثقافة السلاح التي لا تنمِّي قدراتهم ومداركهم العلمية والعملية وتوجهاتهم المستقبلية، وإنَّ هذه الألعاب القتالية البلاستيكية من الأسلحة المختلفة ترسّخ لثقافة العنف بين الأطفال؛ لأنَّهم يمارسون اللعب بمثل تلك الأسلحة بالرغم من أنَّها بلاستيكية، والهدف الآخر منها هو تغيير توجهات الأطفال في مجتمعنا، وتكريس ثقافة العنف والاتجاه بهم نحو ممارسة الأساليب الفوضوية، التي تؤمن بالعنف والقوة في المستقبل أكثر من إيمانها بالحياة ومتطلباتها بدلاً من تكريس وتنمية قدراتهم الفكرية والبدنية”.
وحول منع انتشارها أوضحت: “إنَّ مثل تلك الألعاب البلاستيكية التي تكرّس لثقافة العنف هي خطرة جداً، لأنَّها ستكون مصدراً أساسياً للعصابات العنيفة في المدارس والأحياء والحارات، وفي هذا السياق أدعو المنظمات المهتمة بالطفولة والحريصة على مستقبلهم لمنع انتشار مثل تلك الألعاب، وردع من يتاجر بأحلام ومستقبل الأطفال، وإيجاد الضوابط القانونية، والتوعية المجتمعية الواسعة بمخاطرها لما لها من انعكاسات وآثار مدمرة لمستقبل أطفالنا إذا لم نضع حداً لها من الآن”
وحول النزعات العدائية التي تخلفها تلك الألعاب، يقول علي الحسن المختص بالتربية وعلم النفس: ” إنَّ الألعاب القتالية أو ما يسمى بألعاب العنف لها تأثيرات سلبية على نفسية ومستقبل الطفل، وبما أنَّ الإنسان عدواني بطبعه، فإنَّ مثل هذه الألعاب تسهم كثيراً في تعزيز الغريزة العدائية لدى الطفل مستقبلاً، وكون مثل هذه الأسلحة منتشرة في محيط الطفل الثقافي هنا تكون مهمة الأسرة مضاعفة في مراقبة طفلهم، فعليهم أن يكونوا ممتلكين للوعي باختيار الألعاب التعليمية والرياضية التي تساعد على تنمية مهاراتهم التعلمية، وتنمية قدراتهم العقلية والجسدية، والتطلّع إلى المستقبل الأكثر أمناً وسلاماً”.
لقد أصبح لهذه الألعاب إقبال متزايد في أسواق المناطق المحررة في مدينة حلب وريفها، حيث انتشرت ألعاب الأطفال وخصوصاً الألعاب القتالية… حيث يؤكد صاحب محل بيع لألعاب الأطفال بقوله: “هناك إقبال كبير على الألعاب وخصوصاً من فئة الأسلحة بمختلف أنواعها، ويزداد الطلب عليها من قبل الأطفال خاصة.”
وأوضح أبو عمر صاحب محل ألعاب “في موسم عيد الفطر ازداد البيع على الألعاب خاصة من فئة الألعاب القتالية، ونحن مدركون لخطورتها لكننا مضطرون إلى بيعها لكثرة الطلب عليها، فبعضها فيه خرز بلاستيكي يؤدي إلى تضرر عين طفل ما لو صوبت نحوه، ومثل تلك الحالات حصلت، وإنَّ بعض الأهالي يرفضون شراء الألعاب المؤذية لأطفالهم إلا أنَّ الطفل سرعان ما يبدأ بالبكاء والصراخ، ممَّا يضطر الأب إلى شرائها إرضاء لابنه”.
وأردف قائلا: “هناك ازدياد في شراء الأسلحة القتالية، والتي تشبه إلى حد كبير الأسلحة الحقيقية في الفترة الأخيرة، ويرجع ذلك إلى الأحداث التي تشهدها البلاد والتي لها انعكاسات حتى على سلوكية الأطفال، وما أدى إلى ذلك معرفة التجار بأنَّ تلك الألعاب هي الأكثر طلباً ورواجاً في السوق”.
إنَّ دور الأسرة مهم جداً، إلا أنَّ ربَّ الأسرة أصبح مرغماً على شراء هكذا ألعاب من قبل أطفاله، وعندما سألنا أحد الآباء في الشارع مع ابنه حاملاً لمسدس بلاستيك أجاب: “أعترف شخصياً بأني أرغمت في شراء هذا المسدس لابني، الذي احتضن تلك اللعبة وبقوة رافضاً إرجاعها متأثراً بالأطفال الآخرين من الجيران في الحي الذي أقطنه، وللأمانة لم أستطع كسر رغبته بعدم اقتناء هذه اللعبة نظراً للظروف الصعبة التي يعيشها”.
تأهيل نفسي واجتماعي المنظمات
حاولنا استيضاح آثار هذه الظاهرة على إحدى المعلمات نور شهاب العاملة في منظمة تهتم بالطفولة، والتي قالت بدورها: “إنَّ توسّع ظاهرة الألعاب من الأسلحة القتالية خطر كبير، وهو انعكاس للوضع غير المستقر وانتشار الممارسات القاتلة في المجتمع السوري بشكل مباشرة، أو من خلال الإعلام الذي يحمل إلينا العنف من كل مكان وفي مقدمته التلفاز، وإنَّ الأطفال هم أكثر المتأثرين ببيئتهم الاجتماعية والثقافية، وينعكس ذلك في سلوكهم، وقد يُضاعف من مخاطر انعكاسات هذه البيئة العنيفة، وإنَّ تدني وعي غالبية أولياء الأمور بمخاطر هذه الألعاب العنيفة على أطفالهم سينعكس على الأطفال حاضراً ومستقبلاً، فالأهل هم من يقومون بشراء تلك الألعاب رغم أن بعضها قد يسبب إصابات جسدية خطيرة، بالإضافة إلى غياب المؤسسات في مواجهة تلك الآثار عبر التأهيل النفسي والاجتماعي للأطفال المتأثرين بالصراعات المسلحة”.
في ظل ما تقدم أصبح يتوجب على الجهات القضائية الحالية وضع وتنفيذ ضوابط تحد من بيع تلك الألعاب وانتشارها، كما يتوجب أن يتحمل الأهل مسؤولية مضاعفة عند وقوع حوادث وإصابات نتيجة تلك الألعاب الخطيرة، ولكن الأهم هو تعزيز وتوسيع برامج التوعية والتأهيل النفسي والاجتماعي بمخاطر وآثار تلك الألعاب على مستقبل الطفولة.
آخر الكلام ما نتمناه هو أن تنتهي ظاهرة بيع الأسلحة القتالية للأطفال، وذلك عن طريق وضع ضوابط تمنع بيع مثل تلك الألعاب وعدم السماح بدخولها إلى الأسواق، وإشراك المحاكم الحالية والمعابر الحدودية في ذلك، أو تبنّي مشروع شامل تتظافر فيه جهود مديرية التربية الحرة ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني للحد من انتشار ألعاب الأطفال التي تشجّع على العنف، واستبدالها بألعاب هادفة تبعدهم عن جو الحرب والدمار….