وأيّ معانٍ علينا أن نعيد اكتشافها، وقد حفلت الكتب بما يمكن أن يُعاد، على بعد آلاف السنين، حيث حصلت التضحية الأولى، لم تكن يومها خروفاً، لم تكن فداء سهلاً إلى هذه الدرجة التي تروى بها القصص، بل كانت عزيمةً متواصلة، وتضحيةً متواصلة، وإيماناً وثقةً بالله على غير مقوماتٍ حقيقية، لينتهي مشهد كلّ هذا العناء بفاجعة ذبح الابن، ثم يكون الفرج كاملاً، وتكون الأضحية سُنةً خالدة.
لقد مرّ إبراهيم عليه السلام وهو النبي بامتحان الإيمان، وامتحان الدعوة والإحراق، ثم حدثته نفسه بشيء، فطلب الطمأنينة بالبرهان، ثم أُجهدَ في دعوة قومه، ولم يرزقه الله سنيناً عديدة بولدٍ تقرّ به عينه، حتى إذا أكرمه الله به، أُمر بإلقائه في صحراء مُميتة مع أمه الصابرة، حتى إذا تجاوز العذاب وشبَّ الطفل، ورفع مع أبيه قواعد البيت الحرام، جاءت الفاجعة، عليك أن تقتله. نحراً قرباناً إلى الله.
وأي شيء يفعله أبٌّ حنون غير التردد، ولكن أمر الله كان صارماً، شحذ سكينه، وانطلق إلى حيث أمر الله، والشاب مستسلم لقضاءٍ يعلم أنه خير له من الدنيا، وعندما صَدقَ الإخلاص جاء الفرج كاملاً، “وفديناه بذبحٍ عظيم”
واي يأسٍ يدخل قلوب أتباع هذه الثقافة بعد هذا، أيُّ يأس مع الإيمان، أيّ خوف يمكن أن يستبيح العقول، تتكرر القصة في كل عام لنتذكر تفاصيلها، لندفن اليأس والخوف في فرحة هذا العيد، التي تعني لنا فرحاً بنصر الله القادم لا محالة، إن أحسنّا العمل والتضحية والمثابرة والتصديق، .. لنتذكر الصبر والمصابرة، والجهاد والعمل، والبذل والتضحية، ثم قد يأتي بلاء كبير أو امتحان عظيم، عندها فقط. سيكون الفرج على قدر المصيبة إن صبرنا لأمر الله، ولم نتراجع عن الحق الذي نعتقده.
أجدني اليوم، واقفاً على صعيد عرفة أرقب تلك المشاهد كلها من هذا الارتفاع الضئيل، أتعلمُ وأُعيدُ صياغة المعرفة الخاصة بي، أرى كيف كُوّنت جغرافيا هذه المنطقة لتكون حجاً يُعيد للأذهان كل القصص المشابهة التي طوتها هذه الأرض، لتنتهي بخطبة الوداع التي لخصت معاني الجهاد والعزيمة والصبر والإيمان والمحبة.
ربّما لا يُكتب لي ولكثيرين مثلي زيارة المشاعر المقدسة قريباً، ولكني أرى أن الحج إلى معانيها كلّ عام، هو أوَّل طريق الوصول، حتى إذا كتب الله لكَ حجّ بيته، عرفت بماذا يجب أن تعود. وما الذي تتركه منك هناك.
كل عام وأنتم بألف خير
المدير العام | أحمد وديع العبسي