عبد الغني الأحمد
لا تزال تداعيات الضربة الأميركية الأخيرة على النظام السوري مستمرة حتى الآن خاصة بعد التصريحات الكثيرة والمتذبذبة من أفراد الإدارة الأميركية حول دور أميركا في القضية السورية، حيث إنَّه لا يمكن استنتاج موقف أمريكي موحَّد، إذ يمكن أن نحصل في اليوم نفسه على عدة تصريحات متناقضة من ترامب والخارجية ووزير الخارجية، ففي صبيحة يوم الأحد تحدَّث الوزير تيلرسون أنَّ الولايات المتحدة لم تغير موقفها الذي يعتبر محاربة داعش هو الأساس (وهذا ما كان يؤكِّد عليه ترامب خلال حملته الانتخابية) في حين ظهرت نيكي هالي السفيرة الأميركية في مجلس الامن وقالت: إنَّ إبعاد الأسد يعتبر أولوية للولايات المتحدة!
وفي اليوم ذاته ظهر سبايسر المتحدث باسم البيت الأبيض ليؤكد أنَّ أميركا ستردُّ على أيِّ اعتداء جديد بحق الأطفال، ممَّا جعل الخارجية الأميركية تردُّ بتصريح آخر لتصحيح كلام سبايسر مشيرة أنَّ الردَّ سيكون على الهجومات الكيماوية فقط.
وقد عزا البعض بأنَّ الضربة لا تعدو كونها وسيلة لإعادة هيبة أميركا خاصة بعد أن تجاوز النظام السوري للخطوط الحمراء التي وضعها أوباما بخصوص السلاح الكيماوي، كما أنَّها ستعيد شيئا من مصداقية ترامب الذي فشل في تنفيذ جلِّ وعوده الانتخابية، كإجبار المكسيك على دفع تكاليف الحائط الذي ستبنيه أميركا للفصل بين الدولتين، وعدم قدرته على تمرير قراره بمنع دخول مواطني سبع دول إلى الولايات المتحدة، ولذلك فقد رأى في الردِّ على الضربة الكيماوية فرصة ذهبية لفرض نفوذه خاصة أنَّ سوريا هي من أضعف الدول التي يستطيع ترامب فرض شخصيته عليها، فلا هو قادر على مجاراة تصريحات كوريا الشمالية خوفا من ردة فعلها على حليفته كوريا الجنوبية، ولا هو قادر على القيام بأي إجراء ضد إيران التي طالما هددها في حملته الانتخابية خوفاً من إغلاق الأخيرة لمضيق هرمز الذي تتحكم فيه، وممَّا يؤكد زيف الخطوة الأميركية وعدم رغبتها في الحسم هو إخطارها للقوات الروسية بمكان وموعد الضربة.
كما أنَّ أوروبا تعتبر من أكبر المتضررين من الأزمة السورية؛ لاجتياحها من قبل المهاجرين، والدور الروسي تعاظم في العالم ممَّا أصبح يشكل تهديدا على الولايات المتحدة، فروسيا ليست واثقة بالرغبة الأميركية في الحل، وقد دعا وزير الخارجية البريطاني جونسون في اجتماع مجموعة السبع إلى ضرورة فرض عقوبات على الضباط السوريين والروس، كما لوَّح الوزير للروس بضرورة التفاهم مع أوروبا وعدم العزف منفرداً في الملف السوري لكيلا يلقى النظام السوري ذات المصير الذي لقيه معمر القذافي الذي كان للتدخل الجوي الأوروبي الفضل الأول في قتله والإطاحة به.
أمَّا بالنسبة إلى الموقف الروسي فإنَّه من المستحيل أن يتخلى بوتين عن موقفه في سوريا خاصة أنَّ التدخل هذا جعل لروسيا موقفاً وباعاً في القرارات الدولية، كما أنَّ روسيا قد صرفت مليارات الدولارات في سبيل كسب هذه الحرب، وهي ستستمر فيها لتحصد ما زرعته ولتعوض ما خسرته عن طريق الصفقات الكبيرة التي أبرمتها مع نظام الأسد في حال أنهت الثورة، كما أنَّ روسيا لا تريد أن تكسر شوكتها في سوريا، وقد أكَّدت صحيفة الغارديان البريطانية أنَّ الضربة الأميركية لن تؤثر بالمطلق على العلاقات مع روسيا، وهذا ما أكَّدته زيارة وزير الخارجية تيلرسون لموسكو إبَّان الضربة، كما أنَّ التنسيق تحت الطاولة كان على أشدِّه بين الطرفين منذ بداية الحرب السورية، حيث إنَّ الطلعات الجوية في السماء السورية من المستحيل أن تتمَّ دون غرفة عمليات مشتركة، كما أنَّ أميركا تدعم بشكل مباشر القوات الانفصالية الكردية التي تعتبر حليفة للنظام ولروسيا بشكل أو بآخر.
إذاً هذه الضربة ستضع أميركا في وضعية المُدان لا في وضعية البطل على عكس ما كانت تخطط من هذه الضربة، فالعالم أجمع رأى كمية الرعب والهلع الذي سببته هذه الضربة للنظام السوري، ممَّا سيدفع الجميع إلى لوم أميركا لعدم تدخلها من قبل، ولعدم استمرارها في التدخل، كما أكَّدت على هشاشة منظومة الدفاع الجوية الروسية والسورية، وعلى سهولة اختراق أميركا لها وقدرتها على حسم المعركة وإنهائها.