رئيس التحريرمع دخول روسية بقيادة بوتين إلى خط الحرب الدائرة في سورية تظهر مرة جديدة الموهبة الخطابية التي تتميز بها السياسة العربية باعتبارها أداة الحرب الرئيسة عندها، فقد سارعت مؤخرًا إلى إعلان هزيمة روسية على الأرض السورية، وتراجع الحضور الأمريكي في المنطقة، وحددت المنتصر وقلَّدته سيفًا وقصيدة مديح، وبصقت على المنهزمين ورمتهم بالبندورة الفاسدة!إنَّ هذا التفكير الساذج يقرر نتائجه من دون دراسة، ويؤكد من دون عمل أنَّ كلَّ مَنْ عادانا سيسقط ويرجع خائبًا من حيث أتى، وستدوسه الأقدام التي يمشي بها أصحابها إلى المقاهي كلَّ يوم لتدخين السجائر ولعب الورق و(كش) الذباب، وإلى المقرات العسكرية التي يأكلها الغبار، لتعلن انتصاراتها الوهمية من الأرض المحررة من كل شيء!فالمشهد يحتاج إلى مراقبة عن كثب والتعرف جيدًا إلى السياسة التي يتبعها الأعداء لمعرفة طريقة المواجهة، فهل صحيح أنَّ التدخل العسكري الروسي في سورية هزيمة لأوباما صاحب القلب البارد والرأي المتردد؟إنَّ المتتبع للسياسة الأمريكية يلاحظ أنَّها تعتمد مبدأ المراقبة عن بعد، والنأي بالنفس مع الحفاظ على المصالح وجلب مصالح جديدة ودفع المفاسد، وقد أطلق بعض المحللين على هذه السياسية (لا بوشيّة) أو (ضد البوشيّة) في إشارة إلى سياسة سلفه التي تعتمد على المواجهة والاصطدام المباشر، فالسياسة (الأوباميّة) الحالية تريد أمريكا من خلالها أنْ تحضرَ جميع حفلات الشرق الأوسط وتجلسَ على موائدها، وتشرفَ على طبخاتها من غير أنْ تحرقَ أصابعها، ومن غير أنْ تكلِّفَ نفسها عناء التحضير، وتريد أنْ تتصدَّرَ المائدة وتنتظر، فإن فسدت الطبخة لعنت الطبَّاخين وحمَّلتهم المسؤولية وقلبت (السفرة) فوق رؤوسهم وانسحبت بهدوء، وإنْ نجحت الطبخة أعلنت للجميع أنَّ هذه العزيمة على حسابها وأقيمت على شرفها وتحت إشرافها، فبعد تلك السنين التي نغَّص فيها بوش على أمريكا لقمتها تريد أن تأكلَ (لقمة هنا)، فقد تعبت من كثرة الأعداء والخصوم.وقرارُ الدخول في الحرب المباشرة يستنزف طاقاتٍ بشريةً واقتصاديةً كبيرةً لا يريد أوباما المخاطرة بها أو التفريط، خاصة أنَّ برنامجه يعتمد عليها أساسًا، فلماذا يخاطر وقد استطاع أخيرًا أن يُدجِّنَ ويُروِّضَ كثيرًا ممن كانوا محسوبين على التيارات والحركات الإسلامية، وأن يصنع شبكة عريضة تغصُّ بالعملاء الذين يأتمرون بأمر أمريكا، وبذلك تقل التكلفة ويظهر وجه أمريكا التسامحي السلمي وتكسب إلى جانبها المزيد من الأصدقاء والمخدوعين.فبمعارضة التدخل الروسي بلسان أمريكا، ورضاها بقلبها، تظهر الرحمة الأمريكية والوجه الأبيض لأوباما (أبي حسين) نصير المظلومين والمستضعفين، وتظهر اللعنة الروسية والوجه الأسود لبوتين عدو العرب والمسلمين، إنَّ أمريكا الخبيثة تدرك أنَّ بوتين ساقط شعبيًا سواء ربح الحرب أم خسرها، ولهذا رأى أوباما أنَّ التدخل الروسي سيكون مستنقعًا يغرق فيه بوتين كما غرق أسلافه السوفييت في أفغانستان.وربَّما تضاعف فرح أوباما عندما أعلمه نتنياهو نتيجة المحادثات التي جرت في موسكو وأكدت أنَّ الطائرات الروسية لن تشكل تهديدا لإسرائيل، فليس هناك تصادم بين النشاطات الروسية الإسرائيلية التحالفية في أجواء دولة المقاومة والممانعة قلعة الصمود والتحدي!فلماذا تدسُّ واشنطن أنفها بين (تغلب) و(بكر) إن كانت ستحصل على حصتها من الغنائم، وهي جالسة في البيت الأبيض تشرب الفودكا وتسمع موسيقا الجاز؟! ولماذا تبدد طاقاتها وهناك عملاء أعلنوا لها الطاعة، يغسلون أقدامها ويسرحون شعرها مقابل ذخيرة تمنُّ بها السيدة على العبابيد؟! ولماذا ترسل جنودها لحرب الإرهابيين وهناك وكلاء ينتظرون إشارة من إصبعها لينفذوا ما تريد بأجور منخفضة، أو من دون مقابل لوجه الله العلي العزيز؟!