مروة عاصي
” أنا يتيمة” قالتها وهي تمسح دموعها بأكمامها المهترئة التي كانت تحكي حكاية يتمها، كانت نظرتها لي كمن يستجدي يداً حانية تمسح عن جبينها تلك الوصمة التي أورثتها إياها الحرب، هي فاطمة ابنة التسع سنوات حالها كحال محمد، ولمى، وهيثم …الخ.
أطفال بعمر الزهور شاءت الحرب أن ترمي عليهم ثقل أوزارها، وتسرق منهم سندهم وحضنهم الدافئ، وحولتهم لأيتام بائسين، لتصنع منهم آباء وأمهات صغار يحملون على عاتقهم مسؤولية رعاية أسرهم.
ومنهم من تكدست، بل وفاضت بهم دور الأيتام, ناهيك عن الذين افتُرشت بهم الطرقات، وازداد الأمر سوءاً أثناء الحصار، حيث تقلص حجم المساعدات المقدمة لهم بسبب الحصار تزامناً مع ارتفاع أعداد اليتامى بسبب القصف الجنوني الذي لا يميز بين صغير أو كبير، والكثير منهم من لا تشملهم كفالات الأيتام التي تقدم من قبل الجمعيات والمؤسسات الخيرية، نظراً لتقليص عدد الكفالات والانفجار الجنوني في الأسعار، وإغلاق الطرق المؤدية إلى حلب الذي حال دون توفير ما تحتاجه هذه المؤسسات، وكان سبباً في نقص الأدوات الطبية التي تقدم الرعاية اللازمة للأطفال اليتامى المرضى, ناهيك عن التسرب المدرسي الذي يسعى من خلاله الأيتام ليحظوا بشرف ” البائع الجوال “علهم في نهاية اليوم يأتون بثمن لقمة تبقيهم على قيد الحياة، وآخرون كانوا يقفون مكتوفي الأيدي بين عجزهم وحاجتهم.
هذا حال أطفالنا الذين يعيشون في مدينة يولد فيها الموت كل يوم، منهم من كان مجبرا على العيش لضيق حال ذات اليد، ومنهم من اختار البقاء خوفاً من مذلة الغربة، وآخرون من يحلم برؤية رايات النصر تزين أسوار المدينة.
فمع ازدياد وطأة الحرب تفاقمت المشكلات الإنسانية، وأصبح ملف الأيتام يتصدر قائمة ضحايا القصف بكل معاناته، ومع هذا التزايد المخيف لأعداد الأيتام لابدَّ من شحذ الهمم ولفت الأنظار عن طريق توعية وتنبيه المؤسسات والجمعيات المعنية برعاية الأيتام، وأخذ الجهوزية القصوى لكفالة من هم دون الرعاية، وإن كانت هذه المؤسسات تعاني من شح الموارد، فلو قامت كل مؤسسة بإيواء طفل وإن كان فوق إمكانياتها، فهذا كفيل بإنقاذ كارثة إنسانية على وشك الحدوث تزامناً مع القصف والحصار الذي أخذ يأكل الأخضر واليابس.