بقلم غسان جمعةأبحث في أكوام الثورات وبريق الانتصارات وخسف الانتكاسات عن الثقافة العربية التي بنيت عليها أجيال السواد الأعظم من مجتمعنا العربي الذي تربَّى فيه الجدُّ والأب وبعض أحفاد اليوم على القومية والنهضة والثورة والتحرر و … و … تلك الجماهير التي سلَّمت مُهج قلوبها وكابرت على جوعها لأنظمة المتاجرة والمقاولة في سبيل تحقيق قضايا عروبتها، أسأل نفسي أين هذه الثقافة في ملاحم ربيعها الآن؟هل استنهضت أو نهضت؟أريد البحث عن أثر الثقافة العربية في حناجر التغيير التي ألبسوها ثوب زفافها الجديد، وستروا عورات الماضي بحجاب الشريعة بعد أن أيقظوها من ثباتها العميق الذي غاصت به على ترانيم وألحان بلاد العرب أوطاني وفلسطين نبض شرياني و …. و….أيقظوها بصراخ الله أكبر وبشعارات الشعب يريد…وعندما انتقلتُ إلى الحالة الحضارية لأمتنا العربية قبل ربيعها وجدت أنَّنا كنَّا غارقين بملفات البطالة والفساد والقمع والتهميش وغيرها من الآفات القاتلة التي اسُتدرج إليها العقل العربي تحت مسميات الوطن والوطنية والمقاومة والعروبة لتثبيت أنظمة عميلة بطريقة استعمارية جديدة.فكانت ثورة الشعوب حتمية على هذه الديكتاتوريات الشمولية، ولكنَّها أغفلت ثورتها في المجالات التي خرجت لتغيرها، فكان الأولى لها أن تقود إلى جانب ثورتها السياسية ثورة اجتماعية في مختلف المجالات، لتكون لها رؤية واضحة وشرعية سامية، وتكف بذلك أيادي التدخل الخارجي من خلال التغير الداخلي الواضح، وتقطع على الأنظمة المستبدة أية عملية لشيطنة الثورات، غير أنَّ استسهال الطريق السياسي والاقتناع بأنَّ بتغيره يكون التغيير الاجتماعي، أدى إلى تشكيل طبقة من الضباب على ربيع أمتنا منعت تشكيل رؤية وطنية وهيكل مجتمعي للثورات العربية، وجعل من تطلعات شعوبنا ثورات سياسية فقط تنتهي بانتهاء وجودها المادي في الساحات أو اعتقال رموزها أو تشويهها وتلويثها من قبل الأنظمة والجهات الحاقدة.ومن هنا تنبع الحاجة للثقافة العربية المبنية في ذوات جيل الثورة، فالأيدولوجيات والأنظمة السابقة لم تستطع تحقيق الحرية ولا العدالة الاجتماعية، ولم توفر أدنى متطلبات الإنسان العربي نحو التقدم والتطور، فلماذا أغفلت حناجر الربيع تطلعات الثورة واكتفت بإسقاط الأنظمة التي سرعان ما التفَّت على الشعوب بعدة أساليب وطرق.كما أنَّ مسعى هذه الأجيال نحو الاندماج والتكتل والتوحد وبناء الدولة العربية ذات النهج الإسلامي لم يذكر قط خلال حراك الربيع العربي على الرغم من أنَّ مطالب الجماهير واحدة في ليبيا وتونس ومصر وسورية …. فلم نرَ تنسيقًا ثوريًا واحدًا بين هذه الثورات ولو حتى تجمع افتراضي على شبكة الإنترنت، لقد أضعنا الهوية وفقدنا البوصلة وكرَّسنا بأيدينا ما ثرنا عليه، وعادت بعض الأنظمة إلى عروشها بعد أن امتصت الصدمة وغيرت الأسماء مستغلة ضعف الجوهر والأهداف لثورات شعوبها.يجب أن يكون التغيير اجتماعيًا كقاعدة عريضة يُبنى عليها تغيير سياسي لا العكس، وإلا فنحن نستبدل أسماء بأسماء، وأحزابًا بأحزاب لن تسمح بنهج حضاري جديد.