محمد درويش _ أبو همّام عندما بدأنا وأحرار سوريا بالتظاهر أمام إجرام نظام بشار وزبانيته، كنَّا على يقين بأنَّ فكرهم الإقصائي وتاريخهم الدموي وجبروت القوة التي يملكونها لن تجعلهم يتنازلون عن بعض الحقوق التي كنَّا نطالب بها، وسيُقدِمون على ارتكاب جميع الجرائم وأفظعها قبل أن نحصل ولو على القليل مما نريد. ولكنَّنا بالمقابل كنَّا نأمل بأنَّ ما يسمى بـ “العالَم المتحضر” أو “العالم الحر” أو على الأقل أصحاب القرار فيه، لن يسمحوا في القرن الواحد والعشرين أن يَدَعوا “فرعوناً” يمارس كل أنواع القتل في شعب لا يملك ما يدافع به عن نفسه، في الوقت نفسه كانت عيوننا تراقب ما يجري في ليبيا، تراقب كيف تدخلوا بكل قوة ضد جحافل القذافي “الفرعون الآخر” قبل أن تصل إلى معقل الثوار في بنغازي، أو في تونس ومصر وغيرها حين لم يساندوا الديكتاتوريين والمستبدين، أو على الأقل وقفوا على الحياد أمام خيارات الشعوب. ما حدث أنَّ أمريكا والغرب أحسوا بأنَّ مساندتهم للحقوق العادلة للشعوب والوقوف مع “الربيع العربي”، أوصل الإسلاميين وأحزابهم إلى سدة الحكم، باعتبارهم الشريحة الكبرى من هذه الشعوب التي اكتوت بنار الاستبداد والديكتاتورية عقوداً، والتي كانت مطالبها أبسط وتعاملها أسهل ممَّا لو وصل ممثل الشعوب “الإسلاميين” بطموحاتهم وتطلعاتهم إلى استلام زمام الأمور في بلادهم. فما كان من أمريكا وهذه القوى الكبيرة والفاعلة إلا أن غيروا من سياساتهم وانقلبوا على هذه الثورات وربيعها، بل سعوا من وراء الكواليس إلى دعم “الثورات المضادة” التي تعيد الديكتاتوريين والمستبدين وأصحاب المصالح الضيقة إلى ما كانوا عليه، ومن باب أولى دعم من بقي من المستبدين على كرسيه، والسعي لكتم صوت الثورات وتخويف الآخرين من وصولها إليهم. وشهدت الشهور الأولى للثورة السورية، كمّاً هائلاً من المساندة الإعلامية، ارتفعت معها أصوات التنديد والشجب لممارسات النظام، مع تأييد مطالب المحتجين في الحرية والكرامة، ثم ظهر في نفس السياق أنَّ الغرب وأمريكا جادين في مساعدة الثوار بعد مطالبة رئيس النظام بالرحيل، واعتباره فاقداً للشرعية، وأنَّ أيامه في الحكم باتت معدودة، من قِبَل “أوباما” والآخرين. وشهدت الساحات الدبلوماسية بعد ذلك المؤتمرات الدولية الداعمة “كذباً” للشعب السوري، أو ما أطلق عليه مجموعة “أصدقاء الشعب السوري”، ليكتشف الثوار والمعارضة أنَّهم كانوا يبيعونهم أوهاماً، ويسوّقون أنَّهم مع الحقوق العادلة للشعب المضطهد الذي يُقصف بكل همجية عرفها التاريخ، وأنَّ الوعود المتتالية بالدعم والتمويل ما كانت سوى إلا تسجيل أرقام متزايدة من الشهداء، وخاصة بعد منع وصول السلاح النوعي إلى أيدي الثوار، والصفقة التي جرت “تحت الطاولة” بين النظام وأمريكا بعد قصف الغوطة الشرقية بالكيماوي، والتي تبين “فيما بعد” أنَّها كانت لتسليم الأسلحة الكيماوية مقابل ترك الأسد يفعل بالشعب ما يريد. لقد ثبت للسوريين أنَّ الولايات المتحدة وحاشيتها، كانت تسيّر الأحداث نحو دمار سوريا، وتوجيهها نحو التعفن والتفكك والخراب، وذلك بالإبقاء على قوى متوازنة بين الثوار والنظام، وعدم السماح لأحدهما بالتفوق على الآخر، لعدم وجود مصلحة لهم في التدخل لوقف الاقتتال أو سقوط النظام، واعتبار أنَّ ما يجري في المصلحة الإسرائيلية وأمن إسرائيل في المنطقة، وأنَّ وصول الثوار إلى السلطة سيكون وبالاً عليها. ويتفاجأ الثوار بالحقائق تخرج على لسان “جون برينان” مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه”، أنَّ الولايات المتحدة لا تريد انهيار نظام بشار، لأنَّ من شأنه إخلاء الساحة للجماعات المتطرفة، بل كانت الصدمة الكبرى عندما قال: “لا روسيا ولا الولايات المتحدة ولا التحالف المشكّل ضد تنظيم داعش، ولا دول المنطقة، يريدون انهيار النظام والمؤسسات السياسية في دمشق”، ليرتفع صوت الثوار من جديد “يا ألله ما لنا غيرك يا ألله”.