صبت إيران مليارات الدولارات وضحّت بمئات القتلى لمساندة حكومة بشار الأسد و رغم ذلك تسعى إيران جاهدة لتعوّض استثماراتها في سورية. على الورق نالت الحكومة الإيرانية والكيانات المرتبطة بالحرس الثوري جائزة اقتصادية كبيرة في سورية، من مذكرة تفاهم لتشغيل شبكة الهاتف المحمول إلى دور في أكبر مناجم الفوسفات، كما أُعطيت أراضٍ زراعية وخططاً لتطوير فروع الجامعة.
لكن رجال الأعمال والدبلوماسيين في سورية يقولون: “إن الموافقات على هذه المشاريع أوقفها مسؤولو النظام المتحمسين لاجتذاب رجال الأعمال الروس والصينيين أكثر، والحذرين من طموحات لزيادة نفوذ طهران.”
يُنظر إلى إيران على أنها أكثر الأطراف حكمة في الشرق الأوسط من قِبَل الأصدقاء والأعداء على حد سواء، فهي تسعى لنشر نفوذها عن طريق تطوير شبكات من الميليشيات التي لها الأيديولوجيا نفسها، فسورية بالنسبة إلى إيران جزء مهم من “محور المقاومة” الذي يمتد عبر العراق وسورية، وإلى أكثر عملائها الإقليميين قوة؛ حزب الله الحركة الشيعية اللبنانية التي تجاور إسرائيل.
حضور إيران المتزايد على أعتاب إسرائيل يشكل مثار قلق كبير لإسرائيل وحلفائها الغربيين، وخصوصاً واشنطن، فقد تصاعد التوتر بشكل درامي الأسبوع الماضي عندما أُسقِطَت طائرة إسرائيلية، وردت إسرائيل بتنفيذ أكثر غاراتها كثافة على سورية منذ سنين.
كانت إيران القوة الإقليمية الأولى التي تقدم العون للأسد، والجهة الوحيدة التي قدمت له قوة بشرية كبيرة، فقد حشدت حزب الله أولاً، ثم نشرت قواتها ودعمت تشكيل ميليشيات محلية، ثم أشركت ميليشيات شيعية مكونة من الأفغان والعراقيين.
لكن ومن أجل هذا، بعض الإيرانيين قلقون من أن هذه الجهود المبذولة للاستفادة من الموارد السورية وعقود إعادة الإعمار المستقبلية يمكن أن يعيقها الداعم الدولي الأكبر وهو روسيا، التي رجّح تدخلها كفة الحرب بشكل حاسم لصالح الأسد.
ويحذّر المسؤولون الروس والأوروبيون والإيرانيون من الحديث عن مكاسب عملية إعادة الإعمار المفترضة التي قدّرت الأمم المتحدة كلفتها بنحو 300 مليار دولار، بسبب الحرب بين الأسد والثوار الذين يسعون لخلعه.
استثمارات إيران في سورية
4.6 مليار دولار: كخط ائتماني لنظام الأسد
16 مليار دولار: أنفقت لدعم الأسد منذ عام 2012، والشركاء الآخرين في سورية والعراق واليمن.
58 مليار دولار: كتجارة سنوية مع سورية.
بعض المسؤولين الروس يعبّرون عن مخاوف متزايدة من الاستثمارات الإيرانية المحدودة كما يسعون لمنع إعادة المشاركة الغربية المحتملة.
إن الأعمال التجارية مهمة لإيران، أولاً لاستعادة ما يقدر بنحو 6 مليارات دولار.
في العراق المجاور تجني إيران ثمار هذه الاستراتيجية، إذ يُنظر إلى طهران على أنها أكثر هيمنة من واشنطن، حيث ارتفعت تجارتها المشتركة مع العراق من 2.3مليار دولار عام 2008 إلى 6.2 مليار عام 2015
يقول أحمد مجديار، الزميل في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، “إن هدف إيران هو جعل نفسها أكبر شريك تجاري لسورية.”
لكن التقدم في الجهود الثقافية لن يعني الكثير إن كانت العلاقات الاقتصادية متخلفة، فإيران ببساطة لا تملك المال لإطلاق مشاريعها الخاصة الكبرى، وقال رجل أعمال إيراني: “إن ما تملكه إيران في سورية لا يمكن استغلاله دون استثمار”.
لكن الشركات الإيرانية تبقى مترددة في المشاركة، وعزا أحد المطلعين على الجهود الإيرانية في سورية ذلك الى أن طهران سمحت للحرس الثوري والشركات المرتبطة به بقيادة هذا الجهد.
وأضاف هذا الشخص المطلع: “إن شركات الحرس الثوري ليست مرنة وملوثة بالفساد بسبب نقص الشفافية، فهم خارج دائرة المحاسبة وبالتالي لا يتمتعون بإدارة كفؤة”، الحرس الثوري قد يحتاج لجذب شركاء أعمال من الصين أو من الدول العربية للمشاركة بضخ الأموال المطلوبة.
كما يوجد مشكلات خارجة عن يد إيران: اقتصاد السوق السوداء الذي ازدهر وسط الفوضى، أدى لنشوء شبكات تهريب وأمراء حرب سيكونون متحمسين لحماية أرباحهم من الأجانب.
رجال الأعمال والدبلوماسيون في دمشق يقولون إن مسؤولي النظام السوري والبيروقراطية على المستوى الأدنى عملوا على تشويش الجهود الإيرانية من خلال طلب المزيد من أوراق العمل والمزيد من المناقشات.
وقال أحد الدبلوماسيين: “إنهم يشعرون أن الإيرانيين يريدون أن يدخلوا في كل شيء، لذا يستحق الأمر محاولة السوريين جعلهم ينتظرون”.
يقول أحد رجال الأعمال السوريين متحدثا أهمية بلاده للاستراتيجية الإيرانية: رغم سطوة طهران الإقليمية فهي لا تستطيع ممارسة الكثير من الضغط، ماذا يمكنهم أن يفعلوا؟ أن ينسحبوا؟ الإيرانيون عالقون معنا، والنظام يعلم هذا.
الكاتبان: إيريك سالمون ونجمة بوزرغمر
صحيفة الفايناشال تايمز
رابط المقال الأصلي:
https://www.ft.com/content/f5129c30-0d7f-11e8-8eb7-42f857ea9f09