بقلم رئيس التحريرأخذت الهجمات والتفجيرات التي هزت فرنسا حيزا كبيرا من مؤتمر المحادثات المنعقد في العاصمة النمساوية فيينا، وقد انتهى المجتمعون بضرورة شن الحرب على الإرهاب على الرغم من أن الحرب قائمة عليه منذ إعلان بدء عمليات التحالف الدولي في سورية والعراق، وهذا يعني بداية أن إحراز الانتصار الذي تبحث عنه الدول المجتمعة في فيينا لا زال ضمن قائمة الاحتمالات الضعيفة وأن خيار رحيل الأسد لا يمكن الحديث عنه في المرحلة الراهنة، لا لأن الأعمال الإرهابية حرفت مسار مؤتمر فيينا الذي كان سيقرر الحرب على النظام السوري وسيقتلع الأسد من كرسيه في دمشق ولم يبق على التنفيذ إلا (عضة كوساية)، ولكن لأن المتحكمين بالملف السوري لا يرتضون عن الأسد بديلا.فالاعتقاد أن هجمات باريس الإرهابية حالت دون إنهاء الأزمة السورية البالغة من العمر خمس سنوات عجاف لهو حلم يحاول به البعض أن يبحث عن مبررات جديدة للدول الغربية التي تشاهد كل يوم المجازر التي يتسلى بها الأسد في صباحه ومسائه.كما أسفر الاجتماع عن الاتفاق على (خارطة طريق) وجدول زمني لعملية انتقال سياسي، وتجاهلا لوعورة الطريق المملوءة بالصخور أعاد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التعبير عن تفاؤله موضحا “أن سورية قد تبدأ عملية انتقال سياسي في غضون الأسابيع القادمة” ولكن (قد) قد تعكر صفو التفاؤل وتجعلنا نعتقد أنه مشوب بالحذر أو سابق لأوانه، خاصة وأن الأحداث والمتغيرات ستجعل (كيري) يعيد النظر في نظرته إلى الحياة بشكل عام وإلى الملف السوري بشكل خاص.فـ(كيري) الذي كرر غير مرة وركز في أكثر من لقاء على ضرورة وقف إطلاق النار قبل الجلوس على طاولة المفاوضات لا بد أنه علم بالهدنة التي عقدت بين بعض الأطراف المعارضة والأسد وخرقت من الأخير ليثبت مرة بعد أخرى عدم حسن نيته، وهذه المشكلة رقم واحد التي تقف في وجه كيري الذي يسعى إلى تطبيق قرارات مؤتمر فيينا للبدء بعملية جديدة من الحرب الناعمة في المنطقة والتصدي للإرهاب.وإلى جانب ذلك تأتي التهديدات التي وجهتها روسيا بقوة إلى محور (تركية- السعودية- قطر) والتلويح بوصول (بلّ) الصواريخ الروسية إلى (ذقون) الخليج العربي بسبب رعاية الإرهاب بحسب صحيفة (برافدا) الروسية.هذه التهديدات تعكس المستوى (التشبيحي) الذي وصلت إليه السياسة الروسية من جهة، والتحدي الذي سيواجهه المحور الثلاثي من جهة ثانية، ولا يمكننا- في هذا الصدد- إغفال زيارة (بوتين) لطهران ولقائه المرشد الأعلى (علي خامنئي) يوم الإثنين 23 تشرين الثاني التي تهدف إلى تعزيز صداقة روسية بإيران التي كسرت الطوق المفروض عليها وخرجت من عزلتها الاقتصادية والدبلوماسية.لقد أعاد الطرفان الإيراني والروسي الأسطوانة التي تقول : (الأسد هو الرئيس الشرعي والمنتخب من الشعب السوري)، وقال المرشد الأعلى: “الرئيس السوري فاز في انتخابات عامة حاز على أغلبية أصوات الشعب السوري). ولكن الخطر الأكبر في اللقاء يكمن في أمرين: الأول هو تقديم بوتين للمرشد أقدم مخطوطة للقرآن كانت روسية تحتفظ بها، ربما لا يعرف بوتين أن خامنئي يعتقد أن القرآن الصحيح مع صاحب الزمان المختبئ في السرداب قبل أن يولد الجد السابع لبوتين، ولكنه يدرك أنه يعيد فكرة روسية الاتحادية المدافعة عن الإسلام والمسلمين، أما الخطر الثاني فهو توقيع اتفاقية تقضي بتسلم إيران منظومة الصواريخ S300 التي كانت طهران تنتظرها منذ أيام (ميدفيدف).كل هذه الأحداث ستؤثر سلبا على تطورات المشهد السوري، فهل سيبقى السيد (كيري) متفائلا أو سيتسرب إليه القلق من (شخص) تعرفونه؟