منذ استيلاء حافظ الأسد على مقاليد السلطة ومفاصلها الأساسية عام1970 بما فيها الصحف الرسمية والحزبية (البعث والثورة وتشرين) ومباني الإذاعة والتلفزيون عيّنَ فيها أشخاصا محسوبين عليه لتكون ناطقة باسمه، ومنذ ذلك الوقت لم يتمتع الإعلام في سورية بحرية الرأي والتعبير، حيث بقي الصحفي مجرد موظف لدى الأفرع الأمنية مدة ثلاثين عامًا لا يجرؤ على كتابة شيء دون تراخيص من تلك الأفرع عن طريق المسؤولين في تلك الوسائل الإعلامية.
إلا أنه بعد استلام الابن حُكم سورية سنة 2000 سمح بإطلاق عدد من القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية لإيهام الناس بحرية الإعلام أسوةً بالتطورات الكبيرة التي طرأت على الإعلام في العالم.
الإعلام البديل نافذة للحرية
مع انطلاقة الثورة سنة 2011 باتت الحاجة ملحة إلى الإعلام البديل، فتوجه الشباب نحو وسائل التواصل الاجتماعي، ثم نشأ المواطنون الصحفيون والناشطون والناشطات والمدونون لتوثيق جرائم النظام، مما دفع الإعلام السوري الرسمي ورديفه كقناتي (الدنيا والإخبارية السورية) لبث برامج خاصة لإنكار وتكذيب ما ينشره أولئك الناشطون الذين كانوا خطرًا حقيقًا على نظام أحكم قبضته الأمنية لعشرات السنين.
ولعبت هذه الوسائل الإعلامية دورًا كبيرًا في نقل الحراك السلمي والمسلح، فبدأت عبر وسائل التواصل الاجتماعي وانتهت ببرامج وأفلام أنتجها مراسلون ومراسلات لتغطية الأحداث الميدانية اليومية في سورية، فيما توجه آخرون للخوض في كتابة المقالات السياسية والتحليل السياسي للمستجدات على الساحة السورية وتسليط الضوء على القصص الإنسانية التي خلفتها الأحداث الساخنة.
مهنية الإعلاميين وأخلاقيات المهنة
تحاول وسائل الإعلام السوري البديل (الثوري) الالتزام بمعايير العمل الصحفي المعروفة، والتزام المصداقية والجدية والدقة في نقل الأحداث، كما تسعى بشكل دائم لتطوير كوادرها الذين جلهم من الطلاب الجامعيين من اختصاصات بعيدة عن الإعلام والصحافة، فبعضهم اعتبرها مهمة وواجب، وآخرون اتخذوها مهنة ومنهم جعلها هواية.
لقد خضع الإعلاميون إلى ورشات تدريبية مستمرة إما عن طريق إرسالهم إلى خارج سورية لمعاهد متخصصة أو عن طريق المنظمات والمؤسسات في الداخل، كما ساعدتهم مؤسساتهم ووكالاتهم بالمعدات والوسائل اللازمة ضمن الإمكانيات المتاحة.
فلكل مؤسسة إعلامية سياستها ورؤيتها الخاصة التي تتوافق مع الجهة الممولة لها وتختلف عن سياسة باقي المؤسسات الأخرى، إذ يضطر بعض الإعلاميين أحيانًا للعمل مع مؤسسات إعلامية لا يؤمنون بسياستها بهدف الحصول عل أجر مادي أعلى مما قد يحصل عليه من مؤسسة أخرى قد تتوافق مع رأيه، وهذا الأمر يشكل خطورة كبيرة على مصداقية الإعلام الثوري في حال لم يتم تجاوزه.
استمرار العمل الإعلامي رغم المخاطر والصعوبات
يتعرض الصحفيون والناشطون والناشطات لمخاطر وانتهاكات متعددة خلال عملهم الإعلامي بغية إيصال الصورة الحقيقية للجماهير بشكل موضوعي واحترافي، فبعضهم تمت تصفيتهم بشكل مباشر، وبعضهم عن طريق عملاء للنظام، وبعضهم على يد الجماعات المتطرفة، ومنهم من قُتل أثناء تغطيته للأحداث، وآخرين اعتقلوا أو مصيرهم مجهول.
بات العمل الصحفي محفوفًا بالمخاطر مع تزايد الاعتداء على الصحفيين وارتفاع وتيرة العنف في سورية، الأمر الذي دفع بعض المنظمات الحقوقية ومنها المركز السوري للحريات الصحفية في رابطة الصحفيين السوريين لحماية العاملين في وسائل الإعلام المتعددة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وتفعيل دور المنظمات الدولية للدفاع عنهم ومتابعة عملهم دون الاعتراض لهم.
ورغم الأخطاء والانتكاسات والمخاطر التي يتعرض إليها الإعلاميون الثوريون داخل سورية وخارجها، يعتبر الإعلام الثوري محاولة جيدة تبشر باقتراب ولادة جسم إعلامي حرٍّ كسر قيود 50 عام من الذل والخنوع، ذلك إذا توحدت مؤسساته بأهدافها وخطابها الإعلامي وأصبحت مؤسسة قادرة على خدمة الشعب الذي ضحى بأغلى ما يملك.