بقلم طلال شوّار
مع مطلع القرن العشرين شهد العالم متغيرات كثيرة، وأحداثا أثرت فيما بعد على العالم بأسره، ولعلَّ أهم ما يذكر منها الحرب العالمية الأولى، وسقوط الدولة العثمانية وخروجها من البلاد العربية، وما بين هذين الحدثين استغباء للعرب أفرز استعبادا لهم على مدى قرن من الزمان، وقد يزيد إذا ما بقينا نعيش في جو من المغالطات يفصلنا عن الواقع حولنا.
المستقرئ جيدا لمجريات التاريخ بشفافية وحيادية تامة، يستنتج أمورا عظيمة وخطيرة في آن معا، حيث إنه وقبل انطلاقة القرن العشرين بسنوات قليلة عقد بنو صهيون كما يعلم الكثيرون اجتماعهم التأسيسي الأول في مدينة بال السويسرية عام 1897م، وقرروا في حينه إقامة دولتهم على أرض الميعاد المزعومة فلسطين كما نعلم، لكن ما لا يعلمه الكثيرون أنَّ الصهاينة وعلى مدار أكثر من عشر سنوات حاولوا بشتى الوسائل إقناع السلطان العثماني عبد الحميد الثاني أن يمنحهم أرض فلسطين، ورغم أنهم أغروه بالمال ودعم ميزانية الدولة العثمانية المنهكة جدا في ذلك الوقت، لكنهم لم يجدوا منه سوى الرفض القاطع، وهنا تكمن المغالطة الأولى؛ والتي تغفلها معظم كتب التاريخ العربية المسيسة والموجهة لتظهر الدولة العثمانية على أنها دولة القمع والاستبداد والتخلف.
هذه المغالطة تقودنا إلى مغالطة أكبر، وهي اعتبار ما قام به شريف مكة ” الشريف حسين ” من خروج على الدولة العثمانية خلال فترة الحرب العالمية الثانية على أنه
” الثورة العربية الكبرى”، ولو دققنا في التاريخ لوجدنا أنَّ من خطط لهذا الشيء ورسم له هو السيد هنري مكماهون المندوب السامي الإنكليزي في مصر، وقاد عملياتها ما يسمى زوراً وبهتانا ” لورانس العرب”، فكيف لثورة أن تكون عربية ومن خطط لها ونفذها الإنكليز أعداء الدولة العثمانية في الحرب آنذاك ؟!
فهي إذا لا تعدو أن تكون معركة من ضمن معارك الحرب العالمية الأولى ألبست لباس الثورة.
تتوارى الدولة العثمانية عن الأنظار لتجتاح البلاد العربية موجة المستعمرين الأوربيين، والذين كانوا في الوقت الذي يقودون فيه الثورة العربية الكبرى يتقاسمون بلادنا فيما بات يعرف باتفاقية “سايكس _ بيكو”، ولتبدأ معاناة جديدة لم تنته قبل خمسينيات القرن الماضي حسب ما كنا نعتقد بأنَّها انتهت فعلا لكنها في الحقيقة كانت مغالطة أكبر وأعظم من سابقتيها.
لم تمنحنا الدول الاستعمارية استقلالنا المزعوم حتى سلطت علينا حكاما تربوا وترعرعوا على أيدي مخابراتها، ولقنتهم ما يتوجب عليهم فعله بعد خروجها من بلادنا من سياسات أريدت لنا كشعب عربي مفعم بالحيوية والتجدد، وهو مارد لو قدر له أن يكون حرا في توجيه مقدراته واستغلال إمكانياته لأعاد أوربا إلى العصور الوسطى وتحكم بمصيرها.
وعليه تعددت نكباتنا، وتنوعت كوارثنا، وتفاقمت أزماتنا، حتى وصل بنا الحال إلى ما هو عليه اليوم فأصبحنا أمة في مؤخرة الأمم الفاعلة، مستهلكين للحضارة والتكنولوجيا مترهلين لا نقدر على شيء.
وما حدث في بلادنا العربية في السنوات الخمس الأخيرة وما زال، يدعم هذه النظرية ويؤكدها حيث لم نجد من حكامنا إلا الشدة والغلظة، والضرب بيد من حديد مع المحاولات الشعبية للتغير مع التفاوت في قسوة التعامل التي نجد أشدها وأقساها في بلدنا الحبيب سورية، وبالمقابل لا نجد من الغرب” الديموقراطي المنفتح” إلا الشعارات الرنانة والوعود البراقة، في حين نراهم يدعمون أولئك الحكام بكل ما أوتوا من قوة لنصل إلى نتيجة مفادها:
نحن في الحقيقة لم نستقل، نحن فقط مثلنا دور الاستقلال لعقود، ولن تعود أمتنا إلى سابق عزها وتليد مجدها، ولن نكون مستقلين حقا حتى نتخلص من هذه الشرذمة المقيتة التي تسمى ” حكام العرب “.