هو مجموعة العمليّات الذهنيّة والشعوريّة، ويُراد منه الانتقال من مجهولٍ إلى معلوم.
وذكرنا كلمة الشعوريّة في التعريف، لأنّ العواطف تؤثّر في الأفكار كما تؤثّر الأفكار في العواطف، إلا أنّ تأثّر الأفكار بالعواطف أكبر.
والتفكير الموضوعيّ هو الالتصاق بالموضوع، ويتمّ بنقل عمليّات التفكير من الفوضى التي تُنشئها الذاتيّة على التنظيم الفكريّ الذي تنشئه الموضوعيّة.
والتفكير الموضوعيّ يمرّ بمراحل أهمّها:
معرفة المشكلة، فكثيرٌ من الناس ألِفوا المشاكل، بحيث أصبحت جزءاً من حياتهم، وبالتالي هم لا يُفكّرون بحلّها، ففي المناطق التي تعاني من الجهل علينا أن نبذل جهداً كبيراً حتى نقنع الناس بأنّهم في مشكلةٍ كبرى.
لدينا عقلان!!
أولاً يجب أن نعلم أنّ الدماغ غير العقل، فالدماغ هو الآلة التي تربط الإنسان بعقله.
لدينا عقلان:
1- عقلٌ أوّل: مجموعة الإمكانات الذهنيّة التي وهبنا الخالق إياها (القدرة على التركيب والتحليل، والتذكّر والتخيّل والنطق..)، وهذا العقل موزّعٌ على الأمم بالتساوي وعلى الأفراد بالتفاوت.
2- عقلٌ ثانٍ: وهو الثقافة: (الأفكار والعادات والمفاهيم والتقاليد والنظم والأخلاقيّات السائدة في بيئةٍ معيّنة)، ولذلك لكلِّ بلد ثقافته في التعامل مع الأشياء وفي التفضيلات، وهو عقلٌ مكتسَب من الأسرة والبيئة والمجتمع.
والذي يصنع الفارق بين الأمم هو العقل الثاني، فالشعوب المتخلّفة ليست غبيّة، ولكن مشكلتها في العقل الثاني، وفي نوع وحجم ثقافتها.
ما مدى تأثر التفكير بالمعرفة؟
يظنّ بعضهم أنِّ الإبداع والاكتشاف مرهون بالذكاء وهذا خطأ، لأنّ القدرات العقليّة أشبه شيء بطاحون، والمعرفة أشبه بالحبِّ الذي يوضع فيها، فكما أنّ الطاحون لا تعمل بدون حبّ، فكذلك العقل لا يبدع بدون معرفة.
ومن المهمّ معرفة أنّ العقل لا يتوقّف عن العمل، ولكنّه عندما لا يمتلك المعرفة الصحيحة فإنّه يُنتج أوهاماً.
وعندما يقلّ المخزون اللغويّ بسبب الجهل وعدم القراءة، فإنّ الحلول الإبداعيّة التي يمكن أن يصل إليها الإنسان لن يجد لها قوالب لغويّة يصبّها فيها.
ما الركائز الأساسيّة التي يُبنى عليها التفكير الموضوعيّ؟
1- البعد عن الهوى: فالحكم على الشيء يجب أن ينطلق من الواقع وليس من منطلق الرغبة.
وهذا أمر صعب جدّاً، فعلى سبيل المثال: دراستنا للتاريخ الإسلاميّ ليست كدراستنا للتاريخ الأوربيّ، فتعاطفنا مع تاريخنا لن يكون لدينا مثله في دراسة التاريخ الأوربيّ.
ومن الموضوعيّة قول الشافعيّ رحمه الله: (مذهبنا صواب يحتمل الخطأ، ومذهب غيرنا خطأ يحتمل الصواب).
وعلينا هنا أن نرضى بموضوعيّة ناقصة، لأنّ التجرّد الكامل عن الهوى أمرٌ مستحيل، فكثيراً ما نجد أنفسنا متحيّزين ولا نشعر بهذا التحيّز.
2- البعد عن الظنّ: (على مثل الشمس فاشهد أو فدع) فرقٌ كبير بين ما يحدّثنا به الناس، وبين ما نراه بأعيننا، لأنّ الخبر يحتمل كذب الناقل، أو الخطأ في تفسيره، أو التعبير عنه بطريقة متشائمة..
3- البعد عن المؤثّرات الخارجيّة: كأن يُطالب إعلاميٌّ من قبل حكومته بأشياء يعلم أَنّها كذب، والمؤثّرات ليست دائماً ضغوطاً.. بل ربّما تأثير المغريات على الحكم الموضوعيّ أكبر من الترهيب.