غسان الجمعة
هناك شريحة كبيرة من الناس ترفض الخروج من منطقة الراحة الاجتماعية والفكرية لممارسة شيء لم يعتادوه، ويطمئنون لفعل أشياء يعرفون نتيجتها مسبقاً، فالتغير صعب وخصوصاً إذا كان تغيراً للأفكار والقناعات التي تتعلق بالتطوير الاجتماعي والفكري بمجالاته المختلفة.
فمنذ بداية تطور الإنسان كان ترويض الحيوانات بدل اصطيادها أمراً غير مألوف وخارجاً عن نطاق التقاليد والأعراف للجماعات البدائية، وكذلك من جرَّب البناء بدل سكن الكهوف، انتقالا إلى من حاول الطيران، و إلى من فكر بشطر الذرة، والقائمة بهؤلاء يطول ذكرها، فكلهم فكروا بطريقة مغايرة عن تفكير أقرانهم، والكثير منهم اُتهم بالجنون والمس والكفر وغير ذلك، لأنَّهم خرجوا عن المألوف ونمط تفكير مجتمعاتهم وتصوراته المترسبة من شوائب قديمة إلى حد التصخر والجمود.
إنَّ محاولة تغير نمط البحث والتعرض لمسائل بديهيات عقلنا الباطن (قناعات سائدة) يتنصب له على الدوام تصلب تفكيرنا بشكل لاشعوري، ولذلك من الواجب علينا مجاهدة هذا التعنت الذاتي امتثالاً لقوله تعالى “وأمَّا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى” وقد جاء في تفسير لفظ الهوى لدى غالبية علمائنا بمجاهدة النفس و فطمها عن المألوفات وحملها على غير هواها، فمجاهدة النفس ليست ضد شهواتها فقط، وإنَّما أيضاً ضد قصورها و إنجرارها للسكينة وراحة المألوف، لأنَّنا مأمورون بإعمال العقل بآيات كثيرة كقوله تعالى ” أفلا يعقلون ” و” أفلا يتفكرون ” و ” لعلكم تتفكرون ” و ” لعلكم تعقلون “
إنَّ وجود حقيقة مطلقة ثابتة أنتجها العقل البشري هو أمر منافٍ لطبيعة التطور الإنساني ورسالتنا الوجودية وحالة الجمود والخوف من خوض غمار التغير والتفكير بأسلوب جديد ولغايات جديدة، وسيبقينا في نفق التقصير، ليرمي بنا بعد فترة وجيزة إلى خانة التأخير، ثمَّ التغيب والضمور الذي يعقبه الجهل دون شك.
لأنَّ كلَّ ما بحثنا عنه هو الملائم والمناسب والأفضل بعيداً عن البحث في إبداع الحلول من منطلق التطور والنمو والتجديد، حيث تقيد أفكارنا ثقافة القطيع السائدة وتحبس عن أي حلول جديدة لمشكلاتنا، لتعارضها مع نمط الحياة السائد بتناوله للحقائق وعرضه للمشكلات ونظرته الغابرة للواقع المستمر.
هذا في عالمنا الواقعي، أمَّا عالمنا الافتراضي الذي من المفترض أن يكون نافذة نور لنا وخصوصاً أنَّ عمر الإنسان العملي في الفضاء الافتراضي بات أطول منه في الواقع الحسي، نلاحظ انتقال هذه الثقافة العمياء إلى مساحاتنا الإلكترونية، فوسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتويتر ويوتيوب ومحركات البحث التي تلعب دوراً مهماً في ثقافة التفكير والإبداع، دائماً ما تصر على حشرنا في قوقعة مناطقنا الجغرافية وبيئتنا الثقافية وحتى توجهاتنا السياسية، و رغم ما لهذا الجانب من إيجابيات، إلا أنَّ سلبياته طامة على مجتمعاتنا، لأنَّنا عملياً عبارة عن أرقام مكررة لنسخة واحدة فقط، متفقون بالتوجهات والدراسة والثقافة، وحتى كلماتنا البحثية المرشحة مقيدين بها بخط معين… وبتالي كلنا متشابهون لا جديد في حياتنا، لامجال للاختلاف المثمر بين بعضنا، وبالتالي لا يمكننا تغير ذواتنا نحو الأفضل بهذا الانقياد اللاشعوري…
عزيزي القارئ: إنَّ تفجيرك لطاقتك الإبداعية وثورتك على بيروقراطيتك العقلية هي الحجر الأساس في تغيير المحيط الذي يعيش معك لا الذي تعيشه.