بقلم عبد الكافي قصابإنَّ أسلوب الحياة ونمطه لأي مخلوق هو مظهر تطبيقي يترجم الناتج الفكري لمكتسبات هذا المخلوق، وهذا ما يجعل بني البشر مختلفين فيما بينهم في الأفكار والتوجهات وأنماط العيش وطرق التفكير.ونحن كأمة إسلامية مطالبون من كتاب الله عزَّ وجلَّ بإعمال العقل والتفكير، وذلك بأكثر من عشرين آية، ولكن وللأسف فقد ترسخ في عقولنا وذواتنا أنَّ قمة الأثراء العلمي والمعرفي هو نيل الشهادة الجامعية والتميز بالحصول على شهادات الماجستير والدكتوراه وغيرها وجعلها تزين جدران المنزل، في حين لم يسأل هؤلاء الطلبة والدارسون ما هو حجم التطبيق العملي والمخرجات المطورة للمدخلات العلمية والتحصيل الفكري الذي دأبوا لتحصيله سنين طوال اقتطعت من ذواتهم ووطنهم..ففي كثير من الأحيان نجد أنَّ بعض النُخب التي يعول عليها في البناء الحضاري والتطور الاجتماعي لا تستطيع أن ترتقي ولو بلبنة واحدة في بناء نفسها، لأنَّها باتت تعيش حالة انفصام فكري ينقلب فيها هذا الإنسان رأسًا على عقب عند خروجه من صروح العلم والتعلم، وذلك –طبعا- دون أن يدري، لأنَّه استسلم لحياة الكثرة من السالكين، واستسهل نمط الروتين، وأقفل اليأس على عقله، ونأى بفكره الى كوكب المريخ، وقد أُصلِّت ودُعمت فكرةٌ شيطانيةٌ في عالمنا الإسلامي مفادها أنَّ التحصيل العلمي هو أداة لغاية شخصية تتعلق بالحلم والهدف والمادة أو المركز، في حين إنَّه يجب أن يكون هذا العلم المُؤتى من عند الله وسيلة لتطوير الإنسان وخدمة المجتمع على أرض الواقع والتأثير بشكل إيجابي في مفاهيمه وعاداته وسلوكياته، وهو ما ينعكس تلقائيا على شخص هذا الأنسان ومن حوله.إنَّ المشكلات التي تواجه الأبناء والزملاء في الحياة دائما ما يتم إرجاعها إلى مشكلات اجتماعية ترتبط بالجماعة والقوانين والتشريعات الاقتصادية والسياسية وغيرها، وذلك لسهولة تهمُّ المتهم الأصم العاجز عن الدفاع عن نفسه، ويغيب عنَّا أنَّنا من صنعنا كل ذلك، فالأجدى لومُ النفس لكي نكون صادقين مع أنفسنا على الأقل.فمشكلات البطالة والصحة والسكن والتعليم هي ليست سوى مرآة تعكس ذواتنا الخاملة، وكيس رمل رياضي لمن يريد توجيه لكمات فشله سواء أفراد أو حكومات أو هيئات، لنبقى مختبئين خلف أصبعنا، ولننام مرتاحي الضمير والسريرة.لن تشفى جراحنا وأمراضنا مادام شبابنا ينظر الى علومهم أنَّها مجرد ثقافه ليتركوها محبوسة في رؤوسهم التي تحولت لأداة ظلام تغلق عليهم سبل الحياة كما يغلقون عليها سبل النور والعمل على واقعنا المرير.إنَّني أحثكم يا شباب أمتنا من على هذا المنبر أن نعمل بما استؤمنَّا عليه وآتيناه، فنحن لا زلنا كالطبيب الذي ينظر جرح مريضه يداويه بعينيه غافلا عن مدِّ يديه.