بقلم: إسماعيل المطيرإن مجرد التفكير في الثورة السورية منذ انطلاق شرارتها في آذار عام ٢٠١١ وحتى اليوم، يجعلنا في حيرة لا ندري كيف نخرج منها، وخاصة عندما نلاحظ تقلبها الشديد خلال فترة تعد قصيرة مقارنة بعمر الثورات.فمع صيحات التكبير الأولى للمتظاهرين عند خروجهم من المساجد بعد كل صلاة جمعة، كان كل منَّا يكاد يرى سقوط النظام قريباً، لا يفصلنا عنه سوى أيام أو أسابيع قليلة، وحتى الواقعي منَّا لم يكن يتوقع أن يتأخر النصر أكثر من أشهر معدودة، وخاصة بعد سقوط طاغية مصر بعد ثمانية عشر يوماً فقط.ربما غرت الثورة المصرية الكثيرين، فجعلتهم يعيشون أحلامهم الوردية، ولم يدركوا أنَّ المظاهرات التي خرجوا فيها مجرد بداية، وأن الثورة الحقيقة لا تنتصر إلا ببذل الدماء والأرواح، ويمثل عندها قول أحمد شوقي:”وللحرية الحمراء باب … بكل يد مضرجة يدق”.لقد أدرك بعضنا ذلك وقتها، فاستمر في الثورة منتقلاً من السلمية إلى السلاح الذي كان لا بد منه، في الوقت الذي آثر فيه آخرون ترك الثورة بعد انهيار أحلامهم الوردية.بربكم، من خدعكم وأقنعكم أن الثورة للحالمين، وأن سلاحها أحلام واهية منفصلة عن الواقع؟!! … لم يخدعكم إلا غباؤكم.كنا نرى سبعمئة ألف متظاهر في حماه، وثلاثمئة ألف في دير الزور، وخمسين ألفاً هنا، وعشرين ألفاً هناك، وآلاف المظاهرات الصغيرة في القرى الصغيرة تصدح طلباً للحرية.كنا في ذلك الحين نرى النصر قريباً، ولم نكن ندري أن أكثر هؤلاء كانوا يظنون المظاهرة نزهة للترفيه أو فرصة لتفريغ شحنات النفس فحسب، بعد أن ظنوا أن الثورة وصلت إلى برِّ الأمان، وقلّة من كانوا يدركون أن ذلك كان بداية طريق طويل في درب الثورة، وهم وحدهم من ثبتوا عليه.أما أولئك الحالمون فعادوا إلى “حضن الوطن” أو فروا خارجه، والنتيجة واحدة: لقد خذلوا الثورة وتركوها إلى الأبد.أين مئات الألوف من متظاهري حماة، وهم الذين رددوا شعارت القاشوش الشهيد؟!!، ولماذا غاب صوتهم؟!!، وأين أهل إدلب ودير الزور؟!!، وأين .. وأين .. وأين ؟!!، ترى هل كانوا من الحالمين؟!!.أقول لهم: لا يكمل الثورة إلا الصادق الذي بدأها، أما من خذلها فلا فضل له عليها وإن كان من أوائل المتظاهرين، بل إن الذنب معلق في رقبته إلى يوم القيامة.ستنتصر الثورة بإذن الله رغم كل ما جرى، وربما نعيش في ظل العدل ما شاء الله لنا أن نعيش، ولكن ماذا نقول للأجيال القادمة إذا تعرضت للظلم والقهر؟!!أترانا نقول لهم: ” احذروا الثورة لأن فيكم من سيخذلكم، كما خذلنا نحن؟!!”.إن حدث ذلك فسنكون قد قتلنا بأيدينا مرغمين، وكل ذلك “لعيون الحالمين”.