لا تقتصر المكاسب في الحروب على مقدار المساحة الجغرافية المسيطر عليها من أحد الأطراف في مقابل الآخر، وخاصة إذا كانت موازين القوى بين هذه الأطراف متباينة بشكل كبير، فكثيراً ما تكون مساحات صغيرة جداً تتعلق بطرق الأمداد أو المصالح الاستراتيجية، أو أماكن تموضع الثروات هي الأشد أهمية بالنسبة لجميع أطراف الصراع، حيث يسعى الطرف الذكي للتخلص من المساحات المرهقة للرجال والعتاد ومتطلبات خدمة المدنيين إلى التمركز وحشد القوات في تلك المساحات الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية، وخاصة إذا كان هذا الطرف هو الأكثر ضعفاً على مستوى التسلح ..
هذه المقدمة هي مقاربة مقصودة جداً لما يحدث على الساحة السورية، وخاصة بعد معارك الريف الشمالي الأخيرة، والتي خسر فيها الثوار الكثير من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها، وهي في مجملها مناطق استراتيجية، أهمها الطريق الواصل بين حلب المدينة وريفها الشمالي، في خطوة قد تكون بوابة لحصار قريب للمدينة المحررة .
أتعب الجيش الحر نفسه خلال خمس سنوات ماضية بحماية مساحات كبيرة والتمركز على امتداداتها، ليحمي المدنيين بالدرجة الأولى من بطش النظام وإجرامه، حيث كان النظام يقتل معظم المدنيين المتواجدين في المناطق التي يسيطر عليها، وغفل عن ضرب النظام في مصالحه لاستنزافه في حرب طويلة الأمد تنهكه تماماً، بل ركن معظم الجيش الحر والفصائل المقاتلة للرباط على الثغور والدفاع عن “مكتسبات الثورة” بدلاً من استمرار الهجوم المركز لإنهاء النظام، وليس لتحرير سوريا، فإنهاء مصادر القوة للنظام كفيلة بتحقيق التحرير دون خوض حروب الجيوش النظامية التي لا يجدي معها السلاح الخفيف المتوفر عند الثوار .
ما حدث في الأيام الأخيرة يجب أن لا يكون مفاجئاً، كما يجب أن لا يكون محبطاً، فطبيعة الحرب تحتم الفوز والخسارة في كل جولة من جولات النزال . وإن أي من هذه الجولات لا تعني نهاية المعركة.
ما كان ملفتاً هو هذا الصمود الأسطوري للثوار، وهذا الالتفاف الشعبي الكبير حول الفصائل المقاتلة، والمطالبة بالتوحد، مع إصرار وعزيمة لا يمكن تفسيرها بعد خمس سنوات كاملة من مواجهة أعتى ألات التدمير التي لم تعرفها البشرية سوى في الحروب العالمية .
المعركة اليوم مختلفة جداً عن طبيعة المعارك الماضية، وتحتاج رؤية مغايرة، وخطط جديدة بعيدة عن ردود الأفعال العاطفية السريعة، يجب أن يعاد التفكير بآليات أكثر جدوى، وأكثر تأثيراُ وإيلاماً للعدو، وغير تقليدية .. فالنصر لا يأت فقط مع الأمنيات، وإنما يحتاج لإعداد وخبرة وصبر قد يكون طويلاً .. فالحرب سجال
المدير العام / أحمد وديع العبسي