تعيش مدينة حلب حالة من التخبط والضعف، فما أن لبثت الاعتياد على القصف الروسي اليومي الممنهج الذي أصبح كالضيف الثقيل، فتارة يدمِّر الضيف هذا البيت، وأخرى يقتل من فيه دون وازعٍ أو رادعٍ أو مانعٍ، حتى جاء بصديقه الحصار، وبدأا سوياً بعزف سيمفونية القتل والتجويع كتلك التي مارساها واعتادا عليها في مناطق عدة، كمضايا والزبداني وحي الوعر وغيرها من المناطق، وبذلك يجعلا من مدينة حلب أشبه بسجن كبير ولكنه ليس ككل السجون!
فكما نعرف بأنَّ السجين مهما كانت تهمته أو مهما كان جرمه، فإنَّ الطعام يقدم له ولو كان مكبلاً بسلال أظلم السجانين، كما إنه قد يُجر إلى التحقيق ويتم تعذيبه مرة أو مرتين في اليوم …أما الوضع في حلب فسجن مختلف كما قلت، فلا طعام يدخل ولا قصفٌ يهدأ!فالمدينة تعيش حالة مأساوية حقيقية، وأسراب الطائرات تكاد لا تغادر سماءها موقعة العشرات من الشهداء يومياً، والمئات من الجرحى الذين هم مشاريع شهداء، وذلك لأنَّ المشافي القليلة الموجودة في مدينة حلب غير قادرة على التصدي لكل تلك الإصابات، ولا تملك القدرات الطبية لعلاج أغلب الحالات.
كما أنَّ الجوع بات قريباً، فالمحال التجارية والغذائية نفدت منذ الأيام الأولى للحصار، ولم يعد هناك لا خضروات ولا فاكهة ولا لحوم ولا محروقات، مع نذرة وقلة لمادة الخبز الأساسية، وقد اكتفى أغلب الناس بأكل الرز والبرغل متحايلين في طبخها على بعض من الحطب، أو على قليل مما تبقى من أسطوانة الغاز أو “الببور” كما أنَّ أسعار بعض السلع المتبقية أصبحت فاحشة وليس بمقدور أغلب سكان المدينة الحصول عليها، فمثلاً أصبح سعر أسطوانة الغاز ١٠٠ $ ! وهكذا دواليك … والصيدليات بدأت تفرغ من أهم محتوياتها، فلا حليب للأطفال، ولا غذاء آخر لهم، مع نقص في كثير من الأدوية.وقد صار ليل المدينة مظلماً حالكاً، فلا كهرباء تضيء الشوارع، إلا ذلك الضوء البعيد الذي قد ينير شارعاً بأكمله بسبب تشغيل أحدهم مولد كهربائي لأنه يملك بعضاً من المازوت، واكتفى باقي الشعب بانتظار منتصف الشهر لينوّر القمر لهم أزقتهم!لست بصدد سرد ما يحصل في حلب، ولا أريد الإسهاب في الشرح؛ فالواقع مرٌ ولن يشعر به إلا من عايشه وذاق من كأس حنظله الذي سينتهي حتماً، فبصيص الأمل في داخلنا أكبر و أطيب من ذلك الكأس!
بقلم عبد الغني الأحمد