بقلم : ياسمين فارسمهما بذلنا من جهد ومهما قدمنا من محاولات فإن الهوة الفاصلة بين الأغنياء والفقراء ستبقى موجودة, هي من أصل بنية المجتمعات ومن أسس البلدان، وإذا ما أرجعنا ذلك إلى أسباب اقتصادية فهذه الفجوة موجودة في أي مكان بالعالم ولكن حجمها يختلف بين مكان وآخر.والمجتمع لا ينقسم فقط إلى أغنياء وفقراء وطبقات متراتبة بينهما بل هو مجموعات مهنية أيضاً وانتماءات أكثر تنوعاً ونمط حياة مختلف، والفرد هو منتج في سياق اجتماعي متعدد المستويات: اقتصادية – ثقافية – أخلاقية وغيرها، فيكون لكل جماعة نسق قيم ومعلومات ومعارف مناسبة لمعيشتها وأجواء بيئتها في المجتمع نفسه، وتطور الحياة فرض ملامح جديدة لهذا التمايز الطبقي الذي نراه في مختلف مفاصل الحياة، بينما في الريف يبقى المجتمع الزراعي هو المسيطر وتبقى العائلات المعروفة والمفتوحة على بعضها البعض تحكم هذا الاجتماع وتسيطر عليه.يكاد الكل يجمع بأن قاطرة النمو الحقيقية لأي اقتصاد قوي تتركز في الزراعة والصناعة ولا سيما لدولة غنية بتنوعها الزراعي مثل سورية حيث تعتبر الزراعة من أهم قطاعات الاقتصاد الوطني في سورية من حيث مساهمتها في الناتج الإجمالي, علماً أن سورية تمتلك مناخاً وتنوعاً بيئياً وخاصة الأراضي الزراعية الشاسعة ما يؤهلها لإنتاج العديد من الحاصلات الزراعية كالحبوب والبقوليات والخضراوات والفاكهة وتربية الحيوان، وهذا التنوع من شأنه أن يساعد على تحقيق الأمن الغذائي والتصدير أيضاً.وللنهوض بالقطاع الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي يجب العمل على استراتيجية طويلة الأمد وخلق القدرة التنافسية لهذا القطاع والتنوع في الإنتاج وبالنوعية الجيدة والمعدة للاستهلاك المحلي أو للتصدير ضمن المواصفات القياسية العالمية, والاستثمارات الزراعية ستساهم في توفير فرص عمل عديدة وتحسين المستوى المعيشي وخاصةً عندما تكون العوائد الاقتصادية أفضل للمنتجين في هذا القطاع، وهنا يجب التركيز على تصدير المنتجات المصنعة ونصف المصنعة للاستفادة من القيمة المضافة وزيادة العائد الاقتصادي وتحقيق الاكتفاء الذاتي, إن زيادة معدلات النمو الاقتصادي في القطاع الزراعي يجب أن تفوق معدل النمو السكاني بحيث لا يقل عن 5% سنوياً حتى يتحقق الاستقرار الكافي للمنتجين الزراعيين وخاصة الفئات الفقيرة العاملة في هذا القطاع, ولكي يستعيد القطاع الزراعي دوره المحوري في الاقتصاد لا بد من القيام بدعم وتوفير المستلزمات الازمة وخصوصاً بأن لدينا نسبة شاسعة من الريف المحرر, أن أي ازدياد في الإنتاج الزراعي يعتبر القاعدة المادية للأمن الغذائي وتأمين متطلبات الصناعة وخاصة التحويلية منها ودعم القدرة التصديرية لأن الاهتمام بالسياسة الزراعية وإيلاءها أهمية خاصة واستثنائية تتطلب مجموعة أسس وقواعد أهمها ضرورة إجراء دراسات وبحوث مناخية معمقة لتحديد التغيرات المتوقعة مستقبلاً، وثانياً تطوير البرنامج الوطني لمكافحة الآفات الزراعية وخاصةً المحاصيل الاستراتيجية، وثالثاً الاهتمام بالثروة المائية, وهذا يتطلب المزيد من الدعم, فيجب على الجمعيات الاغاثية الاهتمام بهذا الموضوع ومحاولة استرجاع القوة الزراعية التي تملكها سوريا وعدم الاستهتار بها, واعتبار هذا القطاع بحق في مقدمة الأولويات الاستراتيجية, و لا بد من الاعتماد على إمكانيات الفرد من قبل المؤسسات الاغاثية, وأن الجمعيات الأهلية وُجدت لترميم النقص الحاصل في الشريحة الفقيرة وتقديم الخدمات الإيجابية والمساعدات المختلفة لدعم هذه الفئات، والعمل على تفعيل دور التوعية والإرشاد الصحي والأسري، من هنا يتضح أن الإنتاج الزراعي يرتبط في سورية بشكل أساسي مع عوامل الطبيعة من جهة وعوامل ذاتية من جهة أخرى – استصلاح الأراضي وتأمين متطلبات الإنتاج والخبرة الزراعية- وتنعكس هذه الأمور بشكل مباشر على الوضع الاقتصاد السوري وتحسين أمور اليد العاملة في مجال الزراعة, وإن إعادة تفعيل دور الزراعة بقوة يمكن أن يعيد لسوريا قوتها الاقتصادية التي دمرها الأسد , فإن تقديم الدعم الازم أصبح واجب, ومن الضروري العمل على زيادة إنتاجية القطاعات الحقيقية للاقتصاد السوري وليس فقط على القطاعات المالية والخدمية والمصرفية، وبالتالي التأكيد على إيلاء القطاع الزراعي والري ما يستحقه من اهتمام, ويجب أيضاً الأنتباه على وضع العجز المائي وعدم الاسراف في هدر المياه لان الزراعة بحاجة كبيرة للمياه بعد أن أكدت الوقائع أن من أهم العوامل المسببة لتراجع الإنتاج الزراعي, وألا نسمع لكلام البعض “أن المياه على حساب أل الأسد ويزدادون بالإسراف”, فهذه المياه على حساب الشعب السوري, و يشكل التراجع الكمي للموارد المائية نتيجة محدوديتها وضغوط الطلب المتزايد الحلقة الأصعب في تطوير قطاع الزراعي وإدارته، ويعتبر حوضا دجلة والخابور، وبردى والأعوج من الأحواض الأكثر عجزاً, و تتمثل التحديات التي تواجه القطاع في محدودية الموارد المائية وعدم قدرتنا في الوقت الحالي بسبب الظروف التي تمر بها سوريا على تطبيق برامح الانتقال إلى الري الحديث، بسبب القصف العنيف التي تتعرض له الأراضي الزراعية وحرق النظام لنسبة جيدة من أراضي سوريا, وتراجع الهطول المطري السنوي، واستهداف طيران النظام أنابيب المياه وتعطل معظمها, مما أدى إلى انخفاض مناسيب المياه الجوفية واحتمال نضوبها وتلوثها في بعض المناطق، فيجب علينا أن نحاول أن نحافظ على المياه ونستعد لبناء الاقتصاد السوري الجديد بتفعيل ودعم القطاع الزراعي, وأن نتحد النظام رغم عنفه و وحشيته على بناء نظام اقتصادي جديد يليق بسوريا الحرة, فهذا الأمر يجب أن يراعي من الجهتين المواطن والجهات المسؤولة إن كان الجمعيات الإغاثية أو المجلس المحلي والمحافظة والهيئة الشرعية.