باسل عبود
ما تزال وسائل الإعلام منشغلة بتحليل ما حدث في مطار الشعيرات بريف حمص، فلأول مرة منذ اندلاع الثورة السورية قبل حوالي ستة أعوام تقوم الولايات المتحدة باستهداف أهداف عسكرية تابعة للنظام، وهو ما كانت تطلبه بعض قوى المعارضة منذ شهور الأولى للثورة لإيقاف شلال الدماء وإسقاط النظام عسكرياً.
ما حصل في الشعيرات هو الرد المناسب على مجزرة الكيماوي في خان شيخون، هكذا عبَّرت الخارجية الأمريكية، إذاً فالمسألة ليست عبارة عن تغير جوهري في موقف واشنطن من الحرب في سورية، ولا مقدمة لضربات أخرى تساهم في وقف إراقة دماء المدنيين، وإنَّما أرادت واشنطن توجيه العديد من الرسائل من خلال هذه الضربة في أغلبها رسائل سياسية.
قبل عدة أيام من مجزرة خان شيخون صرَّحت واشنطن أنَّ إسقاط الأسد لم يعد أولوية بالنسبة إليها، إشارة التقطها نظام الأسد على أنَّها ضوء أخضر لارتكاب مزيد من المجازر دون أي تفكير بمحاسبة أو عقاب خاصة بوجود روسيا حليفة النظام في مجلس الأمن، فهي كفيلة بعرقلة أي إدانة للنظام، فجاء القصف الأمريكي ليثبت للعالم بما فيه روسيا أنَّ الولايات المتحدة قادرة في أي وقت على التدخل وقلب المعطيات رأساً على عقب دون الحاجة إلى مجلس الأمن ولا إلى غيره، وأنَّ إدارة دونالد ترامب ليست كإدارة أوباما التي كانت تظهر العجز بما يخص سورية، فإدارة أوباما أطلقت يد روسيا في سورية، حتى ظنَّ البعض أنَّ روسيا عادت بالفعل كقطب دولي ينافس القطب الأمريكي، لتنهي صواريخ التوماهوك أحلام بوتين، وتعيد التذكير بالهيمنة الأمريكية المطلقة.
وعلى المستوى الداخل الأمريكي، فإنَّ ترامب بحاجة ماسة إلى عمل كهذا؛ فبعد إخفاق إدارته بتنفيذ العديد من الوعود وإلغاء المحاكم لبعض قراراته، والعداء بين ترامب ووسائل الإعلام، وجد ترامب الفرصة لصرف الأنظار والتخلص من الانتقادات ولو لبعض الوقت.
كما أعادت الضربة الثقة بين واشنطن وحلفائها في المنطقة بعدما فُقدت أثناء حكم أوباما، فسارعت تركيا ودول الخليج والأردن إلى مباركة الضربة، كما حثَّت واشنطن على المضي بضربات أخرى ﻹنهاء الكارثة السورية، فالوضع في سورية في ظلِّ عجز إدارة أوباما كاد يطيح بعلاقات التحالف بين واشنطن ودول المنطقة؛ حيث وجدت تلك الدول نفسها مضطرة إلى التنسيق مع روسيا في الملف السوري، فالانطباع العام كان أنَّ أمريكا سلمت مفاتيح الملف السوري إلى روسيا، وأنَّها لا تريد التدخل في سورية أبدا خاصة بعد تجاوز نظام الأسد للخطوط الحمراء التي وضعها أوباما باستخدام الأسلحة الكيميائية، فالمعلومات الواردة من واشنطن أنَّه تمَّ إبلاغ العديد من الدول بالضربات الصاروخية قبل وقت مسبق، منها دول حليفة لواشنطن، ربَّما ذلك محاولة لتطمينها بأنَّ ما حدث لن يمر دون عقاب.
وعلى الصعيد الميداني على الأرض اختلفت التقديرات حول النتائج المادية والعسكرية، فإعلام النظام خفف من أهمية الضربة وحجم الخسائر والأضرار بينما أعلنت روسيا تدمير مطار الشعيرات بشكل شبه كامل.
لا شكَّ أنَّ القصف الأمريكي على الرغم من محدوديته إلا أنَّه أثبت وهن النظام وحليفته روسيا عسكرياً، وعدم ثقة حاضنة النظام الشعبية فيه، فمنذ الحديث عن نية واشنطن توجيه ضربة عسكرية بدأت تقارير تتحدث عن هروب عائلات كبار المسؤولين باتجاه الأراضي اللبنانية، عدا عن الانهيارات الاقتصادية وحالة الهلع في صفوف المؤيدين، أمَّا روسيا التي أُخبرت بالضربة قبل حدوثها تفادياً لإصابات جنودها في المطار اكتفت بالإدانة مثل إيران، وهددت بإيقاف تنسيق الطلعات الجوية مع الولايات المتحدة كنوع من الحرد لحفظ ماء الوجه، فالصواريخ انطلقت من البحر المتوسط وروسيا على علم مسبق بها، كما أنَّها تنشر في الساحل السوري صواريخ s300وs400 التي تعتبر فخر الصناعة العسكرية دون أن تتجرأ روسيا على استخدامها في اعتراض الصواريخ الأمريكية ما يشكل صفعة على خد القيصر الروسي بوتين.
إنَّ هذه الضربة على رغم محدوديتها إلا أنَّها جاءت في وقت جيد بالنسبة إلى الوفد المفاوض نيابة عن الثورة، ما سيسهم بتعزيز موقفهم التفاوضي، فلأول مرَّة يشعر النظام بنية جادة فعلاً لمحاسبته يوماً ما على جرائمه، وأنَّ هناك خياراً آخر غير التفاوض العبثي الذي أتقن النظام التلاعب وإضاعة الوقت فيه.
وأخيراً يجب التنويه أنَّ ما سيحسم الوضع على الأرض هو إرادة وصمود السوريين وحدهم، وما قامت به أمريكا من قصف للشعيرات يتعرض الشعب السوري لأضعافه كلَّ يوم دون أن ييأس أو يمل، وما صراخ النظام وحلفائه من عشرات الصواريخ على الرغم من وجود علم مسبق بموعدها إلا دليل ضعف وعجز، ولو لم تكن أمريكا مدركة أنَّ النظام لم يعد قابلا للحياة ولا بأي شكل ما أقدمت على خطوة كهذه.