أيُّها الإخوة الكرام، لا شكَّ أنَّ كلَّ واحد منَّا مفتقر إلى الله، أيّ أنَّ الإنسان عبد لله، مؤمنًا كان أو غير مؤمن، مستقيمًا كان أو غير مستقيم، صالحًا كان أو طالح، فإنَّه يحتاج إلى هواء، يحتاج إلى نبض، فنبض القلب أنت مفتقر إليه، وأيُّ خلل في النبض تنتهي الحياة.
سيولة الدم أنت مفتقر إليها، يتجمد الدم فتصاب بجلطة في الدماغ، ففي مكان تصاب بشلل، وبمكان تصاب العمى، وبمكان تصاب بفقد ذاكرة.
الخلايا تنمو، فلو أنَّ هذا النمو اضطرب لانتهت الحياة، فأنت في قبضة الله، وكلمة (أنا) لا معنى لها إطلاقاً.
أنت مفتقر فضلاً عن أن يكون نمو الخلايا طبيعياً، وفضلاً عن أن يكون الدم سائلاً، وفضلاً عن أن تكون الأوعية واسعة، وفضلاً عن أن يكون الدماغ حياً، وفضلاً عن أن يكون القلب ينبض، فأنت مفتقر إلى زوجة أيضاً، فلو أن المرأة استغنت على الزوج لغنى أبويها، أو لشدة حاجتيهما إليها لكنت أغنى الناس، ولكن النساء للرجال خلقن، ولهنَّ خلق الرجال.
أحياناً ينشأ خلاف بين زوجين، فتذهب الزوجة إلى بيت أهلها، ويمضي أسبوع أو أكثر، فإذا التقيت بالزوج وجدتَه متوترًا، لأنَّه مفتقر إلى زوجة، وأحياناً هي تسأل أباها ما الذي حصل؟ لأنها مفتقرة إلى زوجها، فأنت مفتقر إلى الله، ومفتقر إلى طرف آخر من أجل أن تعرف عبوديتك لله عزَّ وجلَّ.
المؤمن إحساسه بالعبودية في كلِّ أشهر العام، لكن رمضان دورة مكثفة، أنت برمضان تعرف قيمة الطعام والشراب، في نهارِ شهر آخر الثلاجةُ أمامك، تشرب ماء باردًا، ومرةً فنجان قهوة، ومرةً كأس شاي، ومرةً كأس عصير، أما في رمضان فلا تحسُّ أنك مفتقر إلى الطعام والشراب، لذلك قال العلماء: ” هناك عبد الشكر، وهناك عبد القهر “، عبد القهر أنت في قبضة الله عزَّ وجلَّ، وأنت مفتقر إلى الله، أما عبد الشكر وأنت في الإفطار وأنت في الأشهر العادية تشعر أنك مفتقر إلى الله عزَّ وجلَّ، بطولتك أن تكون مفتقراً في السراء والضراء، لكن معظم الناس في الرخاء كما قال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7)﴾
ينسى العبدُ الله عزَّ وجلَّ، لكن في الشدة يقول: لا إله إلا الله، هذه مقبولة، أنت قلت هذا الكلام مقهوراً، لكن كمؤمن كبير يجب أن تقول ذلك وأنت في أعلى درجات القوة، يجب أن تقول ذلك وأنت في أعلى درجات الصحة، يجب أن تقول ذلك وأنت في أعلى درجات الغنى، هذه هي البطولة، البطولة أن تفتقر إلى الله وأنت قوي، وأنت غني، وأنت صحيح، هذا هو الإيمان، فلذلك من عرف الله في الرخاء عرفه في الشدة.