بقلم عبد الكافي قصابمن يراقب العلاقات الروسية الإيرانية قد لا يستطيع أن يعطيها لونًا واحدا، وقد يصفها بأنَّها رمادية. فمنذ انطلاق ما يسمى الثورة الإسلامية في إيران حكمت قاعدة عدو عدوي صديقي العلاقات بين إيران وروسيا، وعَمَّقت هذه العلاقة المصالح الاقتصادية والبرامج العسكرية لإيران ومن أبرزها مشروعها النووي. لكن هذه العلاقة بدأت تأخذ وجها جديدًا بعد الإعلان عن قرب توقيع الاتفاق النووي في لوزان، وإعلان السعودية عن بدء عاصفة (ماء الوجه) لإعادة الشرعية لليمن.كانت اليد الروسية المنخفضة على طاولة مجلس الحرب والصمت الباهت للمندوب الروسي، هي من أكثر المشاهد المعبرة عن العلاقة الروسية الإيرانية عند التصويت على المشروع الخليجي. كما أنَّ التصريحات الروسية والمرسوم الذي أصدره الكرملين بشأن السماح بتصدير صواريخ S300 لإيران مع وقف التنفيذ الفعلي لهذه الخطوة هو وجه آخر لفتور هذه العلاقة.نلاحظ أنه كلما نظرنا بشكل أعمق في هذه العلاقة ازداد الشرخ واتسعت الهوة، خصوصًا في مسرح (البالية) الإيراني في الشرق الأوسط. فروسيا بدأت تفقد على الأرض عمليًا ما كلفها النظام السوري من ضغوط مالية وسياسية ونفقات عسكرية لصالح ما يسمى الصديق الإيراني.فالقيادة على الأرض أصبحت تحت وصاية قادة الحرس الثوري في مناطق سيطرة الصبي ناقص الأهلية، ممَّا أدى عمليًا إلى انحسار المدرسة العسكرية الروسية لصالح التسليح الإيراني، حتى إنَّ كبار الضباط المنتمين إلى الأكاديمية الروسية قد تمت تنحيتهم أو قتلهم في ظروف غامضة وآخرهم كان رستم غزالة. وقد بدأ البيت الأحمر يسأل نفسه ماهي المكاسب الروسية أمام هذه التضحيات لدمشق وقد ابتلعتها ملالي قم؟هذا على المحور السوري، أمَّا على الصعيد التركي، فبعد زيارة الرئيس أردوغان أخذت العلاقات الاقتصادية الحيز الأكبر على الرغم من أنَّ الزيارة سياسية تبادل الجانبان فيها عبارات الود، وتُوِّجت برفع قيمة التبادل التجاري الى 30 مليار دولار بين البلدين.طبعا هذه التصريحات ليست في صالح الدِّب الروسي الذي يعتبر الشراكة التركية ذات أهمية استراتيجية وبوابة روسيا إلى المياه الدافئة.ويكمن الضرر بالنسبة إلى الدب الروسي في هذه السمسرة الإيرانية في المنافسة الاقتصادية لروسيا وتقويض التبادل التجاري بين تركيا وروسيا. كما أنَّ الرغبة الشديدة لإيران في إيصال الغاز إلى أوربا لإنعاش اقتصادها، تلتقي معها الحاجة الماسة للقارة العجوز للغاز الطبيعي، فإيران بهذه الخطوة تحاول نزع شريان الطاقة من بين أنياب الدب الروسي، وهذا ما تعتبره روسيا عملية إيرانية غادرة لو حصل ذلك في المستقبل، وخصوصا بعد رفع العقوبات، وذلك بسحب أقوى أوراق الضغط من اليد الروسية على الاتحاد الأوربي وتهيئة روسيا لعزلة دولية بعدها.كل هذه المفاصل على الخارطة السياسية مجتمعة هي من وجهة النظر السياسية إعداد إيران لتكون الشرطي الجديد للمنطقة برضا أمريكي،يتقاسمان المطامع والمصالح في المنطقة كما كان سابقا في عهد الشاه،ممَّا يعني أنَّ الولايات المتحدة قطفت هذه الشراكة كثمرة غرستها الخبرات الروسية ونمَّتها على مدار عقود، وهو ما تسعى روسيا إلى اجتنابه.وفي نهاية المطاف يمكننا القول: إنَّه في عالم السياسة لا يوجد أصدقاء دائمون، كما أنَّه لا يوجد أعداء دائمون.