بقلم: محمد عادل فارسنحن المسلمين، نعتقد أن ديننا الذي ارتضاه الله لنا، ينتظم شؤون الحياة جميعاً، بدءاً من الاعتقاد، وانتهاء بخواطر النفس ودقائق الآداب، مروراً بأنظمة الحياة كافة.ونعتقد أن للأخلاق مكاناً مرموقاً في هذا الدين. فقد أجمل النبي صلى الله عليه وسلم الغاية من بعثته بقوله: “إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق”. رواه أحمد.وإذا كان هذا بديهياً عندنا، فإن من أخطر الثغرات التي نؤتى منها، ثغرات البديهيات التي نغفل عنها، كغفلتنا أحياناً عن قيمة الأخلاق في ميدان الدعوة والعمل الإسلامي.وتأتي هذه الغفلة من جانبين:الأول: أن يكون مفهوم الأخلاق مقتصراً على جوانب دون أخرى، فتقاس أخلاق الرجل مثلاً بمقدار التهذيب في لغته ودماثته، بينما لا تُعطى أخلاق أخرى الاهتمام الكافي، كالصدق والشجاعة وسلامة الصدر… ولسنا نقصد أننا جميعاً نقع في هذه الغفلة، ولا أن الداعية محروم من جميع تلك الأخلاق… ولكن الغفلة عن أي خلق يُعدّ خللاً، والخلل يحتاج إلى كشف وتنبيه، وعلاج.الثاني: أن يكون مستوى الالتزام الخلقي متدنّياً بالقياس إلى مفهومه النظري. وإذا كان سلوك الإنسان معياراً لمعتقده وفكره فإن التدنّي الخلقي يعبر عن ضعف في الإيمان، وغبَشٍ في التصور.* * *لقد شاء الله عز وجل أن يقيم بين عباده نماذج بشرية رفيعة، يتمثل فيها السموّ الأخلاقي في أعلى صوره، حتى يكونوا نبراساً للعالمين:( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة… ). {سورة الأحزاب: 21}.وجعل حساب الفرد على قدر موقعه من القدوة في الناس. ففي القرآن الكريم: ( يا نساء النبي لستنّ كأحد من النساء ). {سورة الأحزاب: 32}.فهل تمثّل الدعاة هذه الحقيقة؟.وحين نخاطب الدعاة، وكبار الدعاة بشكل خاص، لا ننسى أنهم بشر، والبشر لا يخلو من ضعف وخطأ مهما جاهد نفسه، ولا ننسى كذلك أن الدعاة يبذلون الكثير لتستقيم نفوسهم، ويستقيم أهلوهم وذووهم… لكن التذكير يبقى ضرورياً حتى لا يغفل الداعية عن خطورة الموضوع.* * *وقد يخيّل إلينا أننا نؤتى من ضعف تربيتنا الفكرية، أو غياب الضوابط الإدارية والتنظيمية، أو من ضيق ذات اليد الذي يحول دون توفير بعض المستلزمات.وهذا كله ليس وهماً. لكنه كذلك لا يمثل الحقيقة كلها.هناك خلل أخلاقي يجعل مستوى التزام الأخ في سلوكه أدنى كثيراً من مستوى ما يؤمن به ويدعو إليه. يظهر ذلك من حركته بين أهله وجيرانه وإخوانه، وتعامله معهم. والناس يرقبون صاحب الدعوة “بمناظير مكبرة” يرقبون منه الكلمة والحركة، ويرقبون سلوك أهله وذويه، فإذا فاتتهم منه ثغرة وجدوها في أهله وبيته.* * *والأخ لن يكون كاملاً مهما بذل وتحرّى، لكن عليه أن يراقب الله، وأن يعلم أن خطأه ليس كخطأ العامة. أليس يعُدُّ نفسه من النخبة وليس من عامة المسلمين؟!.وقد خاطب القرآن الكريم قوماً فقال: ( أتأمرون الناس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب؟ أفلا تعقلون؟ ). {سورة البقرة: 44}. قال ابن جريح: “عيّرهم الله بذلك. فمن أمر بخير فليكن أشد الناس فيه مسارعة”.إنه ليس من السهل على الدعاة أن يحملوا أنفسهم على المستوى الرفيع من الورع والزهد والبذل… ولكن الدعاة هم حملة الرسالة، وهم المرتكز في التغيير، ولا بدّ أن يلحظوا الانسجام بين طروحاتهم النظرية وسلوكهم العملي.إن أخطر خلل يصيب العمل الإسلامي أن يظهر فيه مسلمون قولاً وكتابة وخطابة، ولكنهم لم يتحققوا بالاستسلام ظاهراً وباطناً ولم يستعصوا على الخضوع لداعية هوى، أو وسوسة شيطان.إن ضعف المستوى الأخلاقي للدعاة هو الخرق الذي يمكن أن تدلف منه عللٌ وأوبئةٌ ومشكلاتٌ إلى الصفّ، وهو الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام الفتن.ولو تدبرنا قول الله تبارك وتعالى: ( يأيها الذين آمنوا مَن يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبّهم ويحبونه، أذلةٍ على المؤمنين أعزّةٍ على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم…). {سورة المائدة: 54}، لوجدنا فيها تأكيداً عجيباً لمستوى الالتزام الخلقي الذي يكون عليه أبناء النخبة المرشحة لإعادة الأمة إلى دينها بعد الردة.