بقلم غسان الجمعةتتسم الكتابة الصحفية بالدقة بحبر الإيضاح والإيجاز، وتوجه أحرفها نحو الهدف مباشرة بصياغة سهلة عن طريق تصويرها بأشكال التعبير المختلفة التي تختلف من دواة إلى أخرى ومن صوت إلى آخر.يخاطب الصحفي أو المبدع جمهوره متعدد الآراء والذي تختلف درجة ثقافته وتتنوع شرائحه وتتباين اهتماماته ضمن المجتمع الواحد، فالفضاء واسع وهنا يجب على الكاتب أن يجعل من مقالته لوحة تشاهدها الأطياف جميعها، وذلك بتلوين تفاصيل مقالته بشتى ألوان الطيف الاجتماعي، فيشعر جميع القراء أنهم المعنيون بالأمر أو المسؤولون عنه، أو أنهم طرف في القضية أو جزء من الحل بغضّ النظر عن طريقة تناول الموضوع وماهيته.إن الكتابة الصحفية ليست كباقي المهن يمكن توريثها أو تعليمها بالتقليد، لأن الكتابة تتميز بأن ريشتها مخضبة بمداد أفكار كاتبها، فالصور البيانية تختلف من شخصية إلى أخرى، والسماوات سبع والعجائب سبع والخيال بعض من هذا الشيء.فالموضوع الواحد الذي يتناوله كاتبان يختلف جذريا حسب الرؤيا الشخصية، فقد يعطي أحدهما لصوته صرخة، في حين يعطي الآخر لنظرته دمعة، وقد تتلون وجنتي أحدهما بحمرة الفرح والآخر بحمرة الغضب، وربما نشتم عطر كاتب ما بين ثنايا حروفه يختلف أريجها عن عطر آخر..إن اللوحة الفارغة أمام الرسام هي كالورقة البيضاء على طاولة الكاتب كما تنتظر الأولى اختيار الموضوع متعطشة لريشة الألوان، فإن ورقة الكاتب تنتظر منه رسم المعاني وسكب الحياة على فراغ بياضهاإنه فن ترجمة الواقع ونقل حيثياته وتفاصيله من الفوضى والغموض والتشتت إلى الوضوح والبيان عبر الطرح والنقد والتحليل والمناقشة….فالكاتب يُكون الحدث أو الواقعة بمقالته بجمع مشاهدها التي يعجز الفرد عن استيعابها بصريا في لحظة واحدة من أكثر من موقع بعبارات وجمل تُمكن القارئ من رؤية شريط فيديو بخياله وفق منظوره الخاص للموضوع بعيدا عن الفيديوهات المرئية الموجهة على الشاشة المرئية. إنَّ الكتابة الصحفية هي فن الإحساس بالواقع وترجمته للجميع، كلٌّ بحسب رؤيته الخاصة لواقعه ولعالمه الذي يعيشه.