بقلم : عبد الله الحلبيعندما قامت الحرب العالمية الأولى هرع الناس إلى المصارف لسحب نقودهم الذهبية، ولكنهم فوجئوا بأن الذهب لا يكفي كل الإيصالات الموجودة. فصدر قانون في بريطانيا يلزم الناس بعدم المطالبة بذهبهم مرة أخرى وأن تكون الأوراق (السندات) التي في أيديهم ملزمة لهم. وبذلك تمت أكبر عملية نصب واحتيال في التاريخ وتمت سرقة أموال الناس من قبل اليهود. وبالتزامن مع ذلك ظهر مصطلح الغطاء الذهبي، وهو نسبة الذهب الذي يغطي الأوراق المتداولة. وظل الغطاء الذهبي يقل مع مرور الزمن تدريجيًّا إلى وقتنا الحاضر.وفي سنة 1971م، أُلغي التعامل بالذهب والفضة إلغاء كلياً، حين قرر الرئيس الأمريكي نيكسون في 15/7/1971م رسمياً، إلغاء نظام (بريتون وودز) القاضي بتغطية الدولار بالذهب، وبربطه به بسعر ثابت، فأصبح النقد وسيلة من وسائل الاحتلال!! وقد أرادت أمريكا من وراء ذلك جعل الدولار هو الأساس النقدي في العالم، حتى تتحكم في السوق المالية والدولية، وتهيمن عليها، فاختل النظام النقدي في العالم، وتقلبت أسعار الصرف, كل ذلك حسب عصا أمريكا الغليظة وأيديها الأخطبوطيّة التي تخنق بها من تريد وتستعبد بها من تريد اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا وثقافيّاً وحتى أيديولوجيًّا.الدينار الإسلاميالذهبي هي عملة معدنية مصكوكة من الذهب منذ فجر الإسلام كانت تصك بأوزان وأعيرة مختلفة، فلقد كان المسلمون يتداولون دنانير يصكّها الرومالبيزنطيون، وأول دينار إسلامي صُكّ بأمر من عبد الملك بن مروان في عصر الدولة الأموية، واستمر يُصك من قبل كل خليفة حتى انتهى مع إنهاء الخلافة العثمانية عام 1918م, .إن إجهاز الصّليبيين على الرجل المريض ( الدولة العثمانيّة) وتفتيت حكمه شمل مجالات شتّى, فعلى صعيد الاقتصاد, نهبوا الذّهب والدّنانير (العصملية) من أيدي النّاس ليستبدلوا بها أوراقًا ملوّنة تحوي صور جلّادي الشّعوب وجزّاريهم.ومن نظرة دينيّة تجد أن الذّهب والفضّة معجزتان ربانيّة, فلقد اختارهما الله سبحانه في القرآن مقياسًا ماديّا لا يمكن أن يندثر أو ينضب مدى الحياة ، يقول الله تعالى:{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ } [آل عمران : 14] وغيرها من الآيات.ولطالما نادى اقتصاديون وسياسيون وعلماء مسلمون بعودة الدينار الذهبي والدرهم الفضي باعتباره النظام النقدي الوحيد الذي يحمي الإنسان من الاستبداد والظلم المالي, في حين أنهم ينتقدون النظام النقدي العالمي القائم على العملة الورقية لأسباب عدة منها:أ-العملة الورقية معرضة للتضخم المالي, حيث تفقد قدرتها الشرائية, وهذا يُفقد قيمة المدخرات, مما يؤدي إلى الكساد والانهيار الاقتصادي.ب-الانعتاق من التبعيّة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذي يتحكم به اليهود, وتحرير ثروات الأمة من بترول وغيرها من الارتباط بالدولار .ت-الاغتيال الاقتصادي والربا والاحتكار والتلاعب بقيمة وسعر العملات والانكماش الاقتصادي.- كل ذلك دفع عددًا من الدول الإسلامية لمحاولة استعادة العملة الذهبية والفضية كرئيس الوزراء الماليزي (مهاتير محمد) عام 1997م والتي اصطدمت بالضغوط الأمريكية, وآخر محاولة هي محاولة ” الدولة الإسلامية ” وبعد سيطرتها على كميات كبيرة من سبائك الذهب من مصرف الموصل في العراق أصدرت قرارًا يقضي بسكّ عملة من الذهب والفضّة والنّحاس وعلى فئات مختلفة . فعملة الذهب, الفئة الأولى: دينار واحد, والفئة الثانية: خمسة دنانير, أما عملة الفضّة: الفئة الأولى: درهم واحد, والفئة الثّانية: خمسة دراهم, وأما عملة النحاس: فجاءت على فئة واحدة: عشرة فلوس.- إن إصدار ” الدولة الإسلامية ” لمثل هذا القرار من شأنه أن يعمّق الشرخ الاقتصاديّ والسّياسي والعسكري والاستراتيجي في الأراضي التي تسيطر عليها في كل من سورية والعراق, ويعطيها فرصًا استقلاليّة أكبر, وعمقًا سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا, وقفزة نوعية لا تقلّ عن مثيلاتها العسكرية في العراق وسورية خاصّة وأنها تمتد على مناطق جغرافية وبشريّة كبيرة , وهذا ما دفع العديد من الباحثين يراهنون على نجاح هذا المشروع, ويتكهنون للسياسيين الذين ما عادت تسعفهم سياساتهم فوجدوا أنفسهم في واقع يحتم عليهم إعادة حساباتهم وترتيب أوراقهم. لكن يبقى السؤال ما مدى فرص نجاح هذا المشروع؟ وهل سيستطيع التحالف أن يمنع (تنظيم الدولة) من تحويل الذهب الأسود إلى ذهب أصفر؟