حملوا معهم ما تثنى لهم من متاع في رحلة لا يعرفون وجهتها، لأنَّ خروجهم كان تحت أصوات القصف المتنوع الذي بدأ ينهال عليهم كالمطر مخلفًا مئات الضحايا تزامنًا مع تقدم قوات النظام باتجاه بلداتهم، إنهم نازحو ريفي حماة وإدلب.
معظم النازحين من مربي المواشي والدواجن سكنوا في أرياف سلقين وحارم والدانا وأطمة والمناطق الجبلية التي قد يتمكنوا فيها من متابعة تربية مواشيهم، ومنهم من باعها بأرخص الأثمان كيلا تكون عبئًا عليهم في رحلة النزوح التي قد تكون طويلة الأمد خاصة أن الخيم التي نصبوها مهترئة لا تتحمل قساوة الشتاء ونقص الخدمات من الماء والتدفئة والمراكز الصحية وغيرها من المستلزمات الضرورية.
أصبحت (صهلة) خبيرة في حزم الأمتعة، فانتقت منها الأخف والأهم والأغلى ثمنًا، لأنها خاضت تجربة النزوح منذ عام تقريبا من ريف حماة الشمالي إلى سنجار، ثم انتقلت مع عائلتها إلى (أبو الظهور) ظنًا منها أنه النزوح الأخير، أدمعت عيناها وتلعثمت بالكلام، إلا أنها حمدت الله على سلامة أبنائها رغم البرد القارس ونقص الخدمات في مخيمات (الشيخ بحر) القرية الجديدة التي نزحت إليها في القرب من معرة مصرين ظنًا منها أنه النزوح الأخير.
كما أثار غلاء أجور البيوت في المناطق الحدودية استياء النازحين، حيث وصلت إلى مبالغ خيالية، ففي سلقين أصبح آجار البيت 400$، وفي أطمة 450$، وفي الدانا 200 $، أما في سرمدا عروس الشمال قد يصل سعر آجار بيت واسع إلى700$ قليل من ميسوري الحال استأجروا منازل بتلك المبالغ، إلا أن الغالبية منهم اضطر لشراء خيام أو البقاء في العراء بانتظار المنظمات الإغاثية التي لا تكاد تغطي 10 % منهم بسبب حركة النزوح المستمرة.
وأشارت بعض التقارير التي نشرتها غرفة الاستجابة الطارئة في الشمال السوري بتاريخ 13/1/2018 إلى أن عدد النازحين الذين تم توثيقهم منذ بدء حملة النزوح في تاريخ 15/12/2017 توزعت كالتالي:
•عدد نقاط الاستقرار 368نقطة.
•عدد العائلات 54417 عائلة.
عدد الأفراد 302832 شخص موزعين كما يلي:
•عدد الرجال 56052
•عدد النساء 66216
•عدد الأولاد 88983
•عدد البنات 91820
مع العلم أن الإحصاء مايزال مستمرًا ليشمل مناطق جديدة، فجميع المنظمات تسعى بعد إجراء الإحصائيات لتأمين ما يتثنى لهم من أغطية وفرش وخيم وبعض المستلزمات المنزلية، إلا أنهم حذروا من تفاقم الوضع وخروجه عن السيطرة، ما قد يؤدي إلى كوارث إنسانية وسط احتدام المعارك وزيادة أعداد النازحين وانتشار بعض الأمراض بسبب البرد ونقص الرعاية الصحية، فيما حمَّل آخرون المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية مسؤولية تشرد ونزوح مئات الآلاف من المدنيين من بيوتهم.
أما أكثر ما يخشى منه النازحين هو صعوبة التأقلم بالأماكن الجديدة التي انتقلوا إليها فيما يتعلق بالعادات والتقاليد وطرق العيش في المأكل والملبس وغيرها وبالأخص ممَّن سكن في مدينة إدلب، فهل ستتمكن صهلة وغيرها من النازحين من الاندماج مع المجتمع الجديد؟!
بعض النازحين أقفلوا أبواب بيوتهم وحملوا مفاتيحها مع أمتعتهم أملا بعودة قريبة، والبعض الآخر فقد الباب والمفتاح تحت ركام المنزل الذي دمرته طائرات الروس ولم يتبقَ لديهم سوى الأمل بنهاية الحرب.