برز مفهوم النفاق كأول مرة في حياة المسلمين عندما هاجر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، حيث آمن جلُّ أهل المدينة من الأوس والخزرج، كما انضم إليهم المهاجرون فلم يكن بإمكان أولئك الكارهون للحق أن يظهروا أنفسهم، وفي الوقت ذاته كانوا حريصين على مكتسبات الدولة الجديدة، ولم يوفروا جهداً في الكيد لها والتآمر عليها وعلى مجتمعها المتماسك.
وامتد النفاق عبر العصور إلى يومنا هذا، يشرئب برأسه كلما سنحت له فرصة، ليهدم ما يحاول المصلحون بناءه، وقد يبدأ النفاق بصورة مجاملات اجتماعية بداعي اللباقة في القول، ويمتد تدريجيًّا حتى يكون قنبلةً تدمِّر وحدة المجتمع وتستحصد في بنيته.
النفاق في جميع صوره رذيلة منفرة، فهو عجز عن المواجهة، وضعف في الخلق، والتواء في الطبع، وخبث في النية، والنفاق الاجتماعي بمعنى التظاهر بالفضيلة في الوقت الذي لا يؤمن بها من يدعيها أو لا يطبقها واقعيًّا هو نفاق ورذيلة.
كثير من الناس يجاري مجتمعه في فضيلة لا يؤمن بها ولا ينفذها في حياته إنَّما إرضاء لمجتمعه كيلا يظهر بمظهر المخالف، وإنَّ الإيمان العميق لهو من أهم وسائل التخلص من رذيلة النفاق التي تهدم بناء المجتمع وتزيد الهوة بين أفراده.
ولأنَّ النفاق يتصف بالجبن فإنَّه لا يجرؤ على ارتكاب الرذائل في وضح النهار، وإنَّما يفعل ذلك سراً، ويدعو لها مكراً ومناجاةً، ولأنَّ النفاق يؤدي إلى غرض أعداء الإنسانية ودعاة الرذيلة، نجد أنَّه برزت الوقاحة في الدعوة إلى تلك الأمور مدعومةً بأقوال فلاسفة غربيين وغيرهم، يقول فرويد: “إنَّ الفضيلة كلها كذب وزور وخداع” ثم تبعه حكماء صهيون ليقولوا: “إنَّ فرويد واحداً منَّا، ويجب أن ننشر تعاليمه بكل قوتنا، يجب أن نضع الرذائل الإنسانية تحت الشمس حتى لا يستحي أحد من كشفها، وحتى تتحطم الفضيلة فيتاح لنا التغلب على البشرية.”
وما نراه من قنوات تلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي ليس إلا تطبيقاً عمليّاً لمقولتهم هذه.
إذاً فالغرب لم يقتصر على البهجة في استثمار المنافقين ونشر ثقافة النفاق الاجتماعي، إنَّما يسعى إلى تحطيم أي قانون أو تشريع يهدف إلى نشر الفضيلة واستبداله بتسهيلات للرذيلة حتى يلهث الإنسان وراء شهوته وأهوائه تاركاً بلده وما يُطلب منه من مسؤوليات وراء ظهره.
النفاق سرطان مخفي لا يؤلم إلا صاحبه، وعندما يجامل الناس بعضهم تجد أنَّ خللاً كبيراً أصاب المجتمع، وقد ظهر ذلك في هذه الأوضاع العصيبة، فالكثير من الطغاة قد برزوا على السطح، فنحن نصنع الطغاة بسكوتنا عن الخطأ.
ومن سبل التخلص منها النقد الهادف حتى لا ينفر صاحب الخلل ويتوقف هذا الأمر، كذلك على المعلمين والقدوات المختلفة أن يستوعبوا نقد طلابهم وأبنائهم.
ولأنَّ هذا النقد صعب الوَقع على آذان المسؤولين على اختلاف مكانتهم، كان من يتكلم الحق ويموت أمام السلطان الجائر في صفوف الشهداء، بل وسيدهم.