علي سندة |
العنصرية لا تخلو منها دولة في العالم، فهي موجودة لكن بنسب متفاوتة بين الدول، وتزاد وتنقص بحسب مَن يُزكي نارها ليصدرها للناس مستغلاً كل صغيرة وكبيرة صادرة عمَّن تُمارس عليهم العنصرية وتعميمها لخلط الصالح مع الطالح وتحقيق أكبر المكاسب، وهذا ما سنجده فيما يمُارس ضد السوريين من قِبل فئة من الأتراك ازدادت بوصول الأحزاب المعارضة مجتمعةً عن طريق (أكرم إمام أوغلو) إلى رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى.
في الحالة التركية تصاعدت الأصوات المنادية بإخراج اللاجئين السوريين خاصة آخر شهرين، فالانتخابات المحلية الأخيرة انتهت في تركيا ولم تنتهِ معها تلك النبرة المتصاعدة تجاه إخراج السوريين من تركيا، إذًا الأمر يتعدى غاية كسب الأصوات في إظهار تلك العنصرية، فما الأمر؟
يُنظر في ممارسة العنصرية المتصاعدة في تركيا، وهنا أصرُّ على وصفها بالعنصرية لا شيء غيره، إلى جانبين: العُنصريين والمُسببات.
فأما الجانب الأول فهم العنصريون الذين يمثلون فئة من الأتراك غالبهم ينحصرون ضمن تيار المعارضة، فهؤلاء يمارسون العنصرية على السوريين دون سواهم من العرب وباقي الأجانب، إذ ثمة بضعة ملايين بوسني وأفغاني في إسطنبول نفسها لا يُنظر إليهم بعنصرية، إلا السوريين دون غيرهم تُمارس العنصرية عليهم من قِبل هؤلاء لأسباب يتخذونها لتبرير عنصريتهم بغض النظر عن صحتها وعدمها، فالعبرة بالفعل لا بالسبب، فعلى ماذا يعتمد هؤلاء في ممارساتهم العنصرية تجاه السوريين غير الجانب السياسي في اختلاف وجهة نظر المعارضة التركية مع الحكومة تجاه معالجة الملف السوري؟!
العنصرية في مجتمع ما تظهر لأسباب عدة ممكن حصرها بـ (العِرق، والثقافة، والعادات، ولون البشرة، والدين والمعتقدات، والطبقة الاجتماعية) وهي بشكل مبسط رفع قيمة مجموعة على أخرى نتيجة أفكار ومعتقدات مرتبطة بالأسباب السابقة الذِكر، لكن هل الأسباب السابقة تُبرر للعنصريين الأتراك ممارسة العنصرية حيال السوريين الموجودين؟ ببساطة لا وذلك لعدة جوانب: إنسانيًا؛ لأن السوريين مضطهدون هُجروا وهُدمت ديارهم ومازالوا يعانون، وتركيا بلد ديمقراطي حرّ إنساني، والسوريون كغيرهم ممَّن نزح إلى تركيا سابقًا كالأفغان والبوسنيين وغيرهم، وهم عائدون ما إن حلَّ السلام في سورية، وقانويًّا؛ لأن السوريين موجودون بموجب قانون الحماية المؤقتة الصادر بتاريخ 13 تشرين الأول 2014 بالإضافة إلى أصحاب الإقامات السياحية، وتاريخيًّا؛ لأن الشعبين التركي والعربي السوري خاصة أصحاب دين واحد وتاريخ مشترك عمره أكثر من أربعة قرون، فولاية حلب كانت الثانية في السلطنة العثمانية بعد إسطنبول في الأهمية، وثقافيًّا؛ لأن كلا الشعبين يُدينان بالإسلام الذي هو منبع الثقافة، والذي يُمارس العنصرية دون رادع ديني وله معتقداته الخاصة التي ينطلق منها والتي تتنافى مع الإنسانية لا يستطيع محو التاريخ وتخوين العرب السوريين خاصة في حرب الاستقلال التركية أوائل القرن الماضي، وطبقيًّا؛ لأن في السوريين والأتراك فقراء وأغنياء، وعلميًّا؛ لأن السوريين أثبتوا ذكاءهم وقدراتهم العلمية، فالسوريون شعب مثقف له تاريخه وحضارته ورصيده العلمي والثقافي بين الأمم، فاندمج كثير منهم بالمجتمع التركي وحققوا تفوقًا واضحًا حتى على أقرانهم الأتراك أبناء اللغة سواء في التعليم المدرسي أم الجامعي والأمثلة كثيرة في هذا المجال، وماليًّا؛ لأن كل ما يُصرف على السوريين هو مساعدات مُقدمة من الاتحاد الأوربي على اختلاف البرامج المُقدمة دون استثناء، والسوريون ليسوا عالة على أحد، يستأجرون البيوت من الأتراك ويعملون لكسب لقمة عيشهم حتى بأجور زهيدة لا تُقارن مع الآخرين، وعرقيًّا؛ لأن الأتراك والعرب ذوو بشرة واحدة، وقوميًّا لا يرضى الأتراك يكونوا كما اليهود شعب الله المختار، لكن نزعة القومية تظهر وتكبر بفعل المكنة الإعلامية المعادية وتصل إلى خيانة العرب للأتراك في الحرب العالمية الأولى، لكن أصحاب هذه الفئة والنظرة تجاهلوا أو لم يتعلموا أن في معركة جنق قلعة أكبر عدد من الشهداء من كتيبة حلب 6000 شهيد قاتلوا إلى جانب إخوانهم الأتراك والعرب لا جامع بينهم سوى أنهم مسلمون يدافعون عن أرضهم من الغزاة كيلا تُدنس إسطنبول من قِبل الإنكليز والفرنسيين، فضلاً عن التاريخ الكبير الذي يجمع الشعبين الممتد إلى أكثر من أربعة قرون.
وعن الممارسات العنصرية، فهي أكثر من أن تحصى لكن سأورد بعضها، فعلى مستوى تأجير البيوت بات العنصريون يضعون في الإعلانات لا نؤجر السوري، وعلى مستوى الحملات الانتخابية للمعارضة تجد ورقة إخراج السوريين من تركيا أولى مهامهم، (وفي كل عرس إلنا قرص) كما في المثل السوري، فضلاً عمَّا يُمارس في الأسواق من نظرات تُوحي بالكره مجرد معرفة السوري من شكله، وتكسير محال السوريين وسياراتهم كلما حدث احتكاك، وفي السوشيال ميديا نجد الهاشتاغات التي تتصدر تويتر في تركيا كالحملة الأخيرة (ليغرب السوريون عنَّا) عقب فوز المعارضة بإعادة انتخابات بلدية إسطنبول، وغيرها من الممارسات التي لا تمرُّ دون تصدي الحكومة وباقي الشعب التركي لها.
وأما الجانب الآخر وهو المُسببات أو الدواعي، فهم السوريون غير الملتزمين بقوانين البلد، وهؤلاء كانوا سببًا للعنصريين عبر فتح المجال لممارسة أفعال العنصرية وتعميم النظرة السلبية التي كوَّنها العنصريون عن كل السوريين، فهناك سوريون ارتكبوا أخطاء على الشواطئ ودخنوا النرجيلة كما عبر الأتراك عن ذلك، وكتبوا باللغة العربية على واجهات محلاتهم بدل التركية رغم التنبيهات، وارتكبوا أخطاء في استعمالهم للمساعدات المُقدمة من الاتحاد الأوربي كبيع فحم التدفئة واستغلال ذلك إعلاميًّا، وسحب المساعدات المالية وإحداث الازدحام في الأول من كل شهر أمام الصرافات الآلية خاصة في المناسبات الحساسة كوجود انتخابات تركية وغيرها علمًا أن ذلك من حقهم لكن التركي الذي لا يعلم ذلك يشعر أنه صاحب حق بذلك فيُعبَّأ من قِبل أصحاب النظرة العنصرية على أن حقه مهدور والسوري يأخذ كل المساعدات، وهناك سوريون أساؤوا عند استئجارهم البيوت ومايزالون فأصبح لدى التركي هاجس عدم تأجير السوري! هذا فضلاً عن ارتكاب المخلفات في السير والصيد والسباحة في أماكن غير مخصصة والتدخل في شؤون الأتراك ومناسباتهم كالنزول معهم إلى الساحات، وغيره من المسببات التي ربما لا تنتهي ويتحملها جزءًا منها المنظمات والجمعيات السورية الموجودة في تركيا التي تنكب على المشاريع الأخرى دون الالتفات إلى مشاريع التوعية لهؤلاء السوريين في الداخل التركي لتحقيق التعايش الصحيح، لكن خلاصة القول إن السوريين الذين هاجروا متنوعون، فيهم المثقف والأكاديمي والعامل والجاهل وأصحاب السوابق والعملاء للنظام السوري الموجهون لإحداث وارتكاب أخطاء وربما جرائم تعكس صورة سلبية لدى الأتراك كافة تجاه السوريين، إذ إن أكثر من أربعة ملايين سوري ليسوا على سوية واحدة وهم لا يشكلون بالنسبة إلى المجتمع التركي البالغ عدده 81 مليونًا سوى 4،5% من إجمالي عدد السكان، لكن في المقابل على السوريين جميعًا أن يتعلموا التركية لأجلهم كي يندمجوا ويتقربوا من الأتراك فهي عامل مهم في تخفيف العنصرية، والأتراك يحبون السوري الذي يتكلم لغتهم.
في المُقابل نجد الفئة الأخرى من الأتراك الذين اعتبروا السوريين مهاجرين وهم أنصار، يتصدون للعنصرية كلما ارتفع صوتها، ويعملون مع الحكومة على وأد الفتنة كلما اشتعلت، ويفندون الأقاويل والأكاذيب التي تُحاك خدمة لأعداء تركيا بالدرجة الأولى، ويفرقون بين السوري المسيء والمستقيم، فهؤلاء يعلمون أن التقوى هي المعيار عند الله امتثالاً لقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” الحجرات /13