بقلم عمر عرب
في الحروب لا تقتصر عوامل الهزيمة والنصر على القوة والسلاح بقدر ما تحتاج إلى الحنكة والذكاء اللذين يمكن من خلالهما هزيمة جيش بكامله بأقل الخسائر الممكنة حتى لو لم تكن العدة والعتاد متساوية مع الخصم.
حرب الخدعة والشائعات تعتمد بالأساس على إشعال فتيل شائعة تنتشر كسرعة النار في الهشيم بين الناس، ويكون لها التأثير الأقوى بينهم، سواء كان سلبيا أو إيجابيا، وذلك يعتمد على الطرف الذي بثَّ الشائعة لصالحه.
حلب التي تعاني حالة من الفوضى والحرب منذ ما يقارب الخمس سنوات، عايشت كل تفاصيلها وأحداثها، مازالت إلى الآن صامدة تواجه القصف والدمار والقتل وحتى الشائعات والخدع التي يراد من خلالها أهم شيء إحباط الروح المعنوية لدى الناس، وهي أساس بقائهم وصمودهم.
إنَّ وسائل التواصل الاجتماعي باتت تساهم بنقل كل شيء في وقتنا الحالي، لكن بالمقابل أصبحت تستخدم لمصالح أخرى أهمها قلب الحقائق، وذلك كنشر أحداث ووقائع وربما صور أو مقاطع فيديو على أساس أنَّها انتصار لقوات النظام أو تقدم في منطقة ما، أو أنَّهم كبَّدوا الثوار خسائر كبيرة مع نشر صور لقتلى على أنَّها من الثوار، وكلُّ ذلك من باب الخدعة والفبركة الإعلامية، ليظهر النظام نفسه بمظهر القوي والمسيطر خاصة أمام مواليه.
بالمقابل وعلى أرض الواقع، فإنَّ الأخبار التي يتناقلها الناس فيما بينهم كفيلة لإحداث بلبلة وفوضى، إضافة إلى دبِّها حالة من الخوف والذعر، كالأخبار التي يدعى أنَّها من مصادر موثوقة تفيد بأنَّ قوات النظام تجهز لاقتحام مدينة حلب مستقدمة أعداد كبيرة من المليشيات الشيعية والقذائف والدبابات المتطورة، وأنَّه وإن لم يسيطر عليها فسيحاصرها ويقطع عنها كلَّ الإمداد.
خبر للوهلة الأولى يشكل صدمة لدى الناس، ومجرد انتشار مثل هذا الخبر بينهم سيؤدي إلى الخوف والقلق، وسيؤدي إلى نزوح بعض الناس، عداك عن الغلاء الفاحش والاحتكار الذي سيسري في الأسواق من قبل التجار، وفي النهاية كلها تكون مجرد شائعات لا أصل لها من الصحة، ربَّما صدرت عن بعض من الأفراد، أو ربَّما خرجت بترويج من النظام لتسهيل دخوله معركة يعرف تماماً أنَّه لا يمكنه الانتصار دون اللجوء إلى مثل تلك الحيل.
الشائعات تعدت الأمور المتعلقة بحياة الناس وعيشهم، وتجار الأزمة أهم من ساهموا بذلك، فقبل ارتفاع الدولار ترى أسعار المواد الغذائية ارتفعت، رافقتها أسعار الإيجارات من بيوت ومحال.
إنَّ الأخبار التي بُثَّت مؤخرا من حصار حلب، واقتحام النظام، وارتفاع الأسعار، ووجود خلايا نائمة للنظام في مناطق الثوار، وتجهيز النظام لضرب مناطق حلب المحررة بالكيماوي والمواد السامة، ونشر مقاطع صوتية تفيد بأنَّ النظام أمهل عناصره ومواليه ثلاث ساعات، وأنه يجهز لضرب حي صلاح الدين المحرر وحي السكري وغيرها الكثير من الأخبار، كلها تدخل في إطار حرب الشائعات التي تساهم بشكل أو بآخر بانتصار العدو ودب الرعب والخوف في صفوف المناطق المحررة.
لا ننكر أنَّ كلَّ ما حدث ويحدث وربما سيحدث خلفه النظام الذي يقصف ويقتل، إلا أنَّه بالمقابل يجب على الناس أن يكون لديهم وعيا وإدراكا لما يجري معهم، ودراية في كيفية التصرف خاصة أثناء الأزمات، وعدم استغلال الوضع الحرج الذي يعيشه الناس لمصالح شخصية، إذ عليهم أن يكونوا يداً واحدة في مواجهة الأزمات التي يمرون بها، كما يجب أن يتحلوا بالصبر والثبات وعدم الانهيار وفقدان التركيز من أول صدمة يتعرضون لها، فالقوة والثبات والحكمة في فهم تفاصيل الأمور أساس النصر.