عالية كمال |
كانت رنيم البالغة من العمر 20 عاماً قد أفرغت إحدى علب الأدوية في جوفها، بعد نوبةٍ طويلةٍ من التخبط والبكاء الهستيري. تقول (رنيم) واصفةً حالتها بعد شرب الأدوية: “أحسست أمعائي تتقطَّع.”
تكمل (رنيم) حديثها: “اكتشفت أختي الذي فعلته بنفسي، فأجبرتني على إخراج كل شي بمعدتي وطلبت الإسعاف وتم نقلي إلى المشفى وأجروا لي غسيل معدة”.
حالف الحظ (رنيم) هذه المرة وكُتب لها عمر جديد، لكن كم عدد الأشخاص الذين يقدمون على الانتحار ولا يجدون من ينقذهم؟!
الاكتئاب سيصبح أحد أهم مسببات الوفاة
بعد مراجعة (رنيم) للطبيب النفسي، أخبرها أنها تعاني من مرض الاكتئاب.
ويصف عالم النفس (مارتن سليجمان) الاكتئاب قائلاً: “الاكتئاب اضطراب في الـ (أنا) التي فشلت بنظرك في تحقيق أهدافك.”
لكن الصراع القاسي لمرضى الاكتئاب لا يقتصر على انعدام تحقيق الذات، إنما يمتد إلى مشاعر سوداوية، إذ يصبح الوضع أشبه بانفجار داخل النفس؛ ففي حالات الاكتئاب الخطيرة، يعيش الإنسان كنصف شبح، ولإعطائكم فكرة عن مدى ظلامية الوضع، يقضي المرضى حياتهم وهم يحاولون الخروج من أعماق هذا الجحيم المظلم ويعيشون مشاعر من الألم الروحي الذي يمتد أحياناً ليصبح جسدياً؛ لأن الجهاز المناعي للإنسان يتأثر بتأثر الحالة النفسية للشخص، ومنهم من يفشل في الخروج وتكون النهاية جرعة دواء زائدة، أو سقوطاً مدوياً من قمة شاهقة.
وبناء على ذلك فإن الاكتئاب مزيج بين وصف علمي وإنساني.
وتوضِّح مشاريع منظمة الصحة العالمية أنه بحلول عام 2030 سيؤدي الاكتئاب إلى مزيد من العجز وخسارة أرواح حول العالم أكثر من أي شيء آخر.
تصف (رنيم) لحظة محاولتها الانتحار بقولها: “لما قررت إنهاء حياتي، كنت أشعر بالعجز والضعف الشديدين، وفكرة الانتحار كانت تراودني منذ أشهر إلى أن قررت تنفيذها.”
الأعراض التي تُنذر باقتراب الاكتئاب منك
تروي لنا (رنيم) الأعراض التي كانت تشعر بها لمدة أربعة أشهر، ولم تكن واعية لما يحدث معها حسب وصفها، إذ كان يحدث معها نوبات بكاء طويلة غير مبررة، بالإضافة إلى السوداوية والشعور بالذنب وانعدام النشاط، والامتناع عن الطعام مع العزلة وعدم مخالطة الآخرين، تقول رنيم: ” كنت أبكي بالساعات وأشعر أن الدنيا تضيق من حولي، كنت دائمًا أشعر أن شيئًا يسحبني ويجرني إلى الأسفل.”
بعد أن راجعت (رنيم) طبيباً نفسياً لمدة طويلة وأخذت الأدوية اللازمة، عادت إلى توازنها، وأكدت أهمية العلاج الروحي والمعنوي والدعم والمساندة من المحيط الموجود بالتزامن مع العلاج.
دور الأهل والمجتمع في الوقاية من الاكتئاب
دائمًا الفجوة الكبيرة بين الأهل والأبناء تكون خطيرة جداً، لأن الأهل يجب أن يكونوا المصدر الأول للدعم، وبالتزامن مع دور الأهل يجب أن تنشر ثقافة التعبير عن المشاعر والإفصاح عمَّا يجول في داخل الفرد، ومن المهم أيضًا نشر ثقافة طلب المساعدة من مختص نفسي تمامًا كما نطلب المساعدة من طبيب عام عندما نشعر بالإعياء، وعند التعرض للأزمات من الضروري وجود الأصدقاء للوقاية من حدوث الاكتئاب، ورفع مستوى التقدير الذاتي، ومعرفة قيمة الذات يساعد في حماية الفرد.
هل الشفاء التام من الاكتئاب ممكن؟
قال باحثون أميركيون إن ثلثي المرضى يمكن أن يتعافوا من الاكتئاب، لكن الأمر يتطلب وقتاً.
من المهم معرفة درجة الاكتئاب وأعراضه وتشخيصه من طبيب نفسي، لأن كل حالة يجب التعامل معها على حدة، ويجب معرفة التركيبة الصحيحة من العقاقير لكل مريض أيضاً حسب حالته.
ولكن من المهم معرفة أن المرضى قد تحدث لهم انتكاسة مرضية في أي وقت إلى أن تنتهي الأعراض تماماً، لذلك من المهم متابعة المريض وتأمين بيئة إيجابية من حوله.