انتظار المصير عين الكارثة، والوقوف دون فعل شيء والاعتماد على ما ستسفر عنه لقاءات الضامنين الذين تتغير سياستهم وفق مصالحهم بعيدًا عمَّا ينشده الشعب السوري الثائر وبمعزل عنه أمر يزيد من ضبابية المشهد في إدلب ويبث اليأس بل والرعب في صفوف المهجرين والسكان خشية ملاقاة المصير الذي ربما بات معروفًا، فقد كثرت القراءات والتحليلات، وزادت عندما أسدل الستار عن قريتي كفريا والفوعة لتصبح إدلب تحت سيطرة الثوار منذ تحريرها عام 2014 وذلك بخروج مقاتلي البلدتين والمدنيين عبر باصات التهجير ضمن صفقة لسنا بصدد تحليل نفعها أو ضررها وما حققته من مكاسب.
إن الحرب الإعلامية التي يشنها النظام عبر مكنته لم تتوقف عن بثّ رسائل التهديد والوعيد لإدلب، خاصة بعد ما تم إنجازه في درعا مؤخرًا، وإن حالة الضعف والوهن الذي تعيشه مناطق الثوار المتبقية جعلت ما يروج ويقال يدخل إلى النفوس ليزيد من حالة السكتة التي يعيشها كل من هو موجود في الشمال السوري، فالشارع انقسم قسمين في آرائه وفي كلا القسمين النتيجة واحدة وهي أن الصدمة ماتزال تنخر في جسد الشمال الواهن بانتظار الفريسة التي نهشت الثور الأبيض حين سكت البقية.
فالقسم الأول يعدُّ إفراغ كفريا والفوعة تمهيدًا من النظام لحرق الشمال برمته تحت شعار مكافحة الإرهاب، فالنظام وافق على إخراجهم كيلا يكونوا ورقة ضغط عليه يستفرد فيهم الثوار في حال فُتحت المعركة، وفي الوقت نفسه يستغل قوة المليشيات التي هُجرت وقلبها ما يزال مليئًا بالثأر والحقد على من هجرهم، وهذا القسم يقول بنظرية تكرار مشهد التهجير، والوجهة القادمة والأخيرة منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون الّتين تحت السيطرة التركية، ويقولون إن كلام أردوغان الأخير مع بوتين حول خشيته من انهيار اتفاق خفض التصعيد على خلفية ما حدث بدرعا مؤشر على ذلك.
والقسم الآخر يرى أن حال إدلب محسوم لصالح (المعارضة) فالنظام أخرج أهالي كفريا والفوعة لأنه لم يعد قادرًا على كسر الحصار في ظل الاتفاق التركي الإيراني الروسي، وهو مؤشر على تسريع العملية السياسية وتحديد مناطق النفوذ، وبالتالي تحول إدلب وما تبقى من مناطق إلى غزة أخرى، فالضامن التركي أرسل تطمينات للأهالي عبر وجهاء وأعيان البلدات كما حدث مع وجهاء بلدة تل الطوقان بريف حلب الجنوبي، حيث قال مسؤولو نقطة التمركز هناك إن وجودهم دائم ويقومون ببناء مشفيين ميدانيين ومهبطي طيران مروحي، وإن طريق حلب-دمشق الدولي لو فُتح سيكون برعاية تركية.
لكن بعيدًا عن مصير إدلب واحتمالاته والآراء، لماذا مايزال التفكير ضمن حالة الصدمة وحساب النتائج عبر الغير وانتظار الخلاص أو النهاية دون أدنى تعامل مع الحدث لو كان أمره مُبيتًا ومحسومًا وفق ما سيتوصل إليه الضامنون؟! لماذا لا يتم التركيز على روافع العمل والأهداف التي ينشدها الثائرون واستحضارها وبثَّها لرفع المعنويات ومواجهة الحرب النفسية التي يشنها النظام والتي يسعى من خلالها لتحضير الناس وقبولهم للأمر الواقع؟!
إن تجاوز الكارثة أو التصدي لها يبدأ بالعمل والتفكير بالواقع وتسخير كل الممكنات المتاحة للمواجهة العسكرية والسياسية، أما التحليلات والاحتمالات وانتظار ما سيأتي دون عمل منَّا لهو عين الكارثة، فالعمل على المبادئ والسعي إلى تحقيقها وما تعاهد عليه الثائرون غير مرتبط بمكة أو المدينة أو إدلب، فلنخرج من الصدمة ونستعدّ للمواجهة فلا يأس مع العمل ولا وهن مع التوحد والخير آت إذا ما عملنا على تجاوز الصدمة واستحضار خيار المواجهة بكل أبعاده، وأن نكون جاهزين لكافة الاحتمالات.