بينما يواصل قطار التطبيع العربي مع نظام بشار الأسد في سوريا سرعته الفائقة متجاوزًا العديد من المحطات التي توقف عندها كثيرًا في أوقات سابقة، أرجأت جامعة الدول العربيةاجتماعاً على مستوى المندوبين الدائمين للدول الأعضاء، لمناقشة عدد من الملفاتعلى رأسها المقعد السوري بالجامعة مرة أخرى.

الاجتماع الذي كان مقرر له أمس الأحد والذي أؤجل ليوم الأربعاء القادم وفق بعض الوسائل الإعلامية كان من المفترض أن يناقش التحركات الخاصة بمشاركة سوريا في القمة العربية المقبلة في تونس في مارس/آذار المقبل، خاصة بعد ترحيب الرئيس التونسي بهذه العودة.

التحركات العربية نحو تطبيع العلاقات مع نظام الأسد رغم الجرائم المرتكبة طيلة السنوات الست الماضية والتي كانت سببا في مقاطعة عربية كاملة له، جاءت في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من الأراضي السورية، وإن لم يتم تنفيذ هذا القرار الذي بات تطبيقه بصورة فعلية وكاملة محل شك.

ورغم رفض بعض الدول العربية مثل هذه التحركات في ظل تمسك الأسد بسياساته العدائية والوحشية تجاه شعبه وهو الذي إدين أكثر من مرة أمميًا، غير أن قطار التطبيع يبدوا هو الأسرع في الوصول إلى محطته، ومع ذلك من المستبعد أن يكون إعادة نظام الأسد إلى الحضن العربي مرة اخرى بعد غياب 7 سنوات مجانيًا ودون مقابل.. فما هي الشروط التي من الممكن أن يفرضها التيار الداعم للتطبيع (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر) لإعادة المقعد السوري مرة أخرى داخل الجامعة العربية؟ وهل يرضخ لها الرئيس السوري رغم ما حققه من تقدم ملحوظ خلال الفترة الأخيرة بدعم روسي وإيراني؟

هرولة عربية نحو التطبيع

في الثاني عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 اتخذ وزراء الخارجية العرب قرارًا بتعليق مشاركة سوريا في اجتماعات مجلس الجامعة لحين تنفيذ التعهدات المطلوبة حينها بحماية المدنيين السوريين وعدم تورط الجيش السوري في أعمال عنف ضد الشعب السوري، ونظرًا لعدم الالتزام بتلك التعهدات ظل نظام الأسد في عزلة تامة عربيًا طيلة السنوات الست الماضية.

وفجأة وبدون سابق إنذار فوجئ الجميع بموجة من الهرولة نحو تطبيع العلاقات مع الأسد، وصلت إلى الحديث عن مشاركة وفد سوري في اجتماعات قمة تونس بعد شهرين، ليبقى السؤال: هل التزمت دمشق بالتعهدات القديمة التي على إثرها علقت عضويتها بالجامعة؟ هل استجاب نظام الأسد للمطالب العربية التي رفعتها بعض العواصم على رأسها الرياض الأكثر تشددًا حياله منذ بداية الأزمة؟.. الإجابة بالطبع لا… فلا يزال الجيش السوري يواصل ممارساته الوحشية ضد المدنيين مستخدما في ذلك الأسلحة المحرمة دوليًا وهو ما أثبتته التقارير الأممية.. فما الذي حدث؟

البداية في التاسع عشر من ديسمبر الماضي، حين أعلن الرئيس الأمريكي سحب قوات بلاده من سوريا، وهو القرار الذي جاء بمثابة نقطة التحول الأساسية في الموقف العربي تجاه نظام الأسد، فتزامن معه زيارة الرئيس السوداني عمر البشير لدمشق سرًا، والتي كانت الأولى لرئيس عربي إلى سوريا منذ مارس 2011.

المفاجأة كانت في الثامن والعشرين من الشهر، حين أبلغت الممكلة العربية السعودية، بعض العواصم الدول العربية إنه لا مانع لديها من عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية

وفي السادس والعشرين من نفس الشهر أعلنت الخارجية البحرينية  استمرار العمل في سفارة بلادها لدى سوريا، مشيرة إلى أن السفارة السورية بالمنامة تقوم بعملها، وأن الرحلات الجوية بين البلدين قائمة دون انقطاع، وفي اليوم ذاته كشفت الإمارات -حيث تقيم شقيقة الأسد ووالدته- عن إعادة فتح سفارتها في سوريا، وقالت أبو ظبي إن هذه الخطوة تؤكد حرص الحكومة الإماراتية على “إعادة العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى مسارها الطبيعي بما يعزز ويفعل الدور العربي في دعم استقلال وسيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية، ودرء مخاطر التدخلات الإقليمية في الشأن العربي السوري”.

وسريعا ما التحقت تونس بهذا الركب السريع، إذ استقبل مطار الحبيب بورقيبة الدولي في مدينة المنستير الساحلية بتونس أول رحلة جوية قادمة من مطار دمشق الدولي  بعد توقف دام لأكثر من ثماني سنوات، الرحلة تقل 150 سائحا سوريا من دبلوماسيين سابقين وإعلاميين ومحامين ومهندسين وأطباء، سيقيمون لمدة أسبوع في تونس للاحتفال برأس السنة الميلادية والقيام برحلات إلى عدد من المواقع السياحية التونسية، ورفع السوريون القادمون صور الرئيس السوري بشار الأسد والعلمين السوري والتونسي احتفالا بإعادة فتح الخط الجوي بين البلدين.

وعلى  ذات المنوال أبدت الأردن استعدادها لإعلان عودة علاقاتها مع النظام السوري قريبا، ودعا القائم بالأعمال في السفارة السورية في العاصمة الأردنية عمّان، أيمن علوش، لإكمال الأردن طاقم سفارته في العاصمة السورية دمشق، في خطوة اعتبرها البعض إعلانا صريحًا لتطبيع العلاقات بين البلدين.

المفاجأة كانت في الثامن والعشرين من الشهر، حين أبلغت الممكلة العربية السعودية، بعض العواصم الدول العربية إنه لا مانع لديها من عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، حسبما نقل تلفزيون “الميادين” عن مصادر دبلوماسية، تزامن هذا مع نقلته صحيفة “صنداي تلغراف”  عن دبلوماسي  قوله إن السفارة السعودية قد تعود إلى دمشق في وقت قريب جدًا.

المعارضة تطالب بإعادة النظر

وفي المقابل دعا رئيس الهيئة التفاوضية السورية ناصر الحريري الدول العربية إلى إعادة النظر في قرارها بشأن استئناف العلاقات مع سوريا، مضيفًا في مؤتمر صحفي عقد في الرياض أمس الأحد: “نحن أمام لحظة تاريخية، ونأمل أن لا يبتعد الزعماء العرب عن السوريين، وأن تعيد هذه الدول النظر في قرارها بشأن العلاقات مع سوريا”، محذرًا: “التهديد الإيراني ضد الدول العربية يمر عبر سوريا”

وأضاف الحريري “المعارضة لا تملك سلطة منع هذه المصالحة، وأنها تأمل ألا يكون التصالح من دون مقابل” مطالبا زعماء الدول العربية بـ”عدم خذلان الشعب السوري بإعادة العلاقات مع النظام”، مؤكدًا أن “أي خطوات لإخراجه من عزلته سينتج عنها إرهاب يطاول الجميع وستبعده عن الحل السياسي والمفاوضات” مجددًا الحديث على أن “الأسباب التي دفعت الدول لمقاطعة النظام ما زالت موجودة”،

المحلل السياسي اللبناني عبدالوهاب بدرخان في مقال له بصحيفة “الحياة” أشار إلى أنه “إذا كان تطبيع الحكومات العربية مع نظام الأسد بات قطاراً متأهباً للانطلاق فلن يستطيع أحد إيقافه بالمهاترات والردح أو بالشتائم والبذاءات، خصوصاً أن الحكومات تقول أنها تقدم على هذه الخطوة مدفوعة بمصالحها، التي يُفترض أن تكون أيضاً مصالح عربية عامة”

الشرط الأول الذي يقدمه المحور السعودي  يتمثل في ضمان تحجيم الدور الإيراني داخل سوريا، وهو الشرط المدعوم إسرائيليًا وأمريكيًا

الكاتب تساءل في مقاله عن أسباب الهرولة العربية نحو التطبيع مع الأسد قائلا: هل أن الانسحاب الأميركي من سورية هو الذي أكمل تسخين قطار العودة؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل أن الانسحاب هيّأ للعرب فعلاً ظروفاً مؤاتية لملء الفراغ وإقامة توازن مع تركيا وايران؟ في المقابل، هل أن تطوّر العلاقات مع روسيا بلغ درجة من الطمأنات والضمانات بإمكان ضبط الدورين الإيراني والتركي، أم أن موسكو تبحث فقط عن دور عربي يرفد دورها سواء بإعادة تأهيل نظام عصيّ على التأهيل أو بالمساهمة في تمويل إعادة الإعمار؟

بدرخان اختتم مقاله بأن “ثمّة مصلحة في أن لا يكون التطبيع العربي مع الاسد مجانيّاً وبلا مقابل، وأن لا يكون مجرّد تزكية للنظام وممارساته” فإن تطبيعا كها بدون مقابل «يشرعن» النظام السوري بعنفه وطائفيته كما يفعل مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي وجرائمها. هذا النوع من التطبيع يؤسس لاحتقانات وصراعات جديدة ولا يفضي الى أي ثبات أو استقرار.

ما المقابل؟

لسنوات عدة وضعت الرياض تصورها بأنه لا وجود للأسد في المستقبل، وهو التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية السابق عادل الجبير قبل عامين، كبديل أوحد لحل الأزمة في سوريا حتى أظهر ولي العهد السعودي مقاربة جديدة تنسف الموقف السابق، لا تمانع فيها الرياض من التعايش معه، ففي مقابلة له مع مجلة “التايم ” الأمريكية قال ابن سلمان إن الأسد باق في السلطة وإن حذر من تحوله إلى دمية في أيدي إيران.

الخسائر التي منيت بها السعودية في كل من سوريا واليمن مقارنة بتمدد النفوذ الإيراني خلافا لقرار سحب القوات الأمريكية من الأراضي السورية فضلا عن الموقف الحرج الذي بات فيه النظام السعودي دوليًا في أعقاب جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، كل هذا دفع الرياض إلى التراجع خطوة للوراء فيما يتعلق ببعض الثوابت التي كانت قد أعلنت عنها سابقا على رأسها التعامل مع الأسد وعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية مرة أخرى.

وكما قال الصحفي اللبناني فإن التطبيع لابد وأن يكون له ثمن، تجنبًا لشرعنة نظام الأسد وممارساته، ورغم أن الأخيرة لا تهم الرياض في المقام الأول غير أن بعض المصادر كشفت عن شروط وضعتها عدد من الدول العربية على رأسها السعودية والإمارات ومصر لإعادة استئناف العلاقات مع النظام السوري.

الهرولة العربية نحو التطبيع مع الأسد تأتي في إطار ما حققه الأخير من انتصارت على حساب الطرف الأخر وعلى رأسه السعودية، ومن ثم وجد هذا الطرف نفسه مضطرًا للتعاطي مع المستجدات الاخيرة

الكاتب المتخصص في الشأن العربي، السيد الربوة، أشار في حديثه لـ “نون بوست” إلى أن الشرط الأول الذي يقدمه المحور السعودي  يتمثل في ضمان تحجيم الدور الإيراني داخل سوريا، وهو الشرط المدعوم إسرائيليًا وأمريكيًا، فضلا عن عدم تعارض موسكو بشانه في ظل توتر العلاقات مع طهران في الفترة الأخيرة جرًاء تباين وجهات النظر حيال بعض الملفات الداخلية.

وأضاف إلى أن خروج القوات الأمريكية من سوريا – حال تنفيذ ترامب وعده – ربما يدفع هذا المحور إلى التفكير في نشر بعض القوات العربية داخل الأراضي السورية لتحل مكان نظيرتها الأمريكية المنسحبة، وتعيد تمركزها مع الأكراد،  في محاولة لتضييق الخناق على التحركات التركية على الحدود، وهي التحركات التي تثير قلق بعض العواصم العربية على رأسها الرياض وأبو ظبي.

وفي المقابل ذهب فريق آخر إلى أن الهرولة العربية نحو التطبيع مع الأسد تأتي في إطار ما حققه الأخير من انتصارت على حساب الطرف الأخر وعلى رأسه السعودية، ومن ثم وجد هذا الطرف نفسه مضطرًا للتعاطي مع المستجدات الاخيرة التي سحبت البساط من تحت أقدامه رويدًا رويدًا، حتى لا تجد نفسها خارج الدائرة نهائيًا حتى لو كان الثمن تغييرًا في العقيدة ونسفا للمواقف القديمة.

وخلال اليومين القادمين وحتى موعد انعقاد اجتماع مندوبي الجامعة العربية المقرر له الأربعاء القادم باتت مسألة عودة سوريا إلى الجامعة وشيكة للغاية، وسواء وافق نظام الأسد على الشروط المقدمة أو لم يستجب فإن المحور المهرول للتطبيع سيواصل خطواته دون توقف في ظل الضغوط الممارسة والتي فرضتها التطورات الأخيرة، ومن ثم لم يكن مستبعدًا أن يشارك وفد سوري في قمة تونس المقبلة.