أنس إبراهيم
وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)
الآيات هي الأمور العجيبة، وإننا نقول: فلان آية في الذكاء، آية في الحسن، نعني: عجيب في بابه. لكن آيات الله كثيرة لا تُحصى، فهل المراد هنا أنَّ فرعون رأى كلَّ آيات الله؟ لا؛ لأن المراد هنا الآيات الإضافية، وهي الآيات التسعة التي جعلها الله حُجّة لموسى وهارون، ودليلاً على صِدْقهما، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}وهي: العصا واليد والطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع والدم والسنين والنقص من الثمرات.والكلية في قوله: {آيَاتِنَا كُلَّهَا} كلية إضافية. أي: كل الآيات الخاصة به كما تقول لولدك (لقد أحضرتُ لك كل شيء) وليس المقصود أنك أتيتَ له بكل ما في الوجود، إنما هي كلية إضافية تعني كلَّ شيء تحتاج إليه.ومع ذلك كانت النتيجة {فَكَذَّبَ وَأَبَى}، وكان تكذيبه لموسى عِلَّة إبائه.ولو ناقشنا فرعون في تكذيبه لموسى عندما قال: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}لمَ كذّبتَ يا فرعون؟ الحق سبحانه قال: خلقتُ هذا الكون بما فيه، ولم يَأْتِ أحد لينقضَ هذا القول أو يدَّعيه لنفسه، حتى أنت يا مَنْ ادعيْتَ الألوهية لم تدَّعِ خَلْق شيء، فهي ـ إذًا ـ قضية مُسلَّم بها للخالق عزَّ وجلَّ لم ينازعه فيها أحد، فأنت ـ إذًا ـ كاذب في تكذيبك لموسى، وفي إبائك الإيمان به.
ومَثـَلُ فرعون هذا في عصرنا الحاضر هو الطاغية بشار الأسد الذي احتلّ سورية كابرًا عن كابر، إلا أنه يختلف مع فرعون في أنه تمدّه قوى الغرب والشرق من ملوك ورؤساء، وجيوش وطائرات، وسياسة وإعلام، وتشريع وتنفيذ وقرارات دولية.
فمن يستطيع أن يسأل بشار الأسد، لمَ تقصف المدنيين وتهجّر النازحين وتستخدم البراميل المتفجرة التي باتت تتساقط فوق رؤوس الناس كالأمطار؟ ولمَ تستخدم السلاح الكيماوي؟
طبعاً، لا أحد يستطيع أن يسأل، لأنَّ الجواب جاهز قبل أن يسأل، والتبريرات الدولية والعالمية تأتي مسوِّغة لهذه الأفعال، مع التنويه إلى أنهم يرون ضرورة الحلّ السياسيّ.
إنَّ ملوك العالم أجمع ملوك بُطل وبُهتان، وغطرسة واستبداد بلا منازع؛ فمن يستطيع أن يكذبهم، وكيف يمكن لهؤلاء الملوك أن يصدقوا بضع عشر معشار العالم الذين يقفون في الطرف المقابل لهم، ولكنَّ الله لهم بالمرصاد.