ضجَّت وسائل التواصل الاجتماعي صباح اليوم بالعملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على مواقع عسكرية للأسد بين مؤيد وساخر ومنتقد، في حين كانت غالبية هذه الآراء تظهر استهزاءها باستهداف مواقع خالية وبعضها مدمَّر حسب تصريحات الدفاع الروسية التي أكدت أن العملية جرت بتنسيق تام مع أركانها وقاعدتها في حميميم.
جاءت هذه الضربات دون السقف المتوقع بعد ساعات من إعلان فوكس نيوز الأمريكية عن توجه أكبر أسطول بحري وجوي منذ غزو العراق نحو السواحل السورية، فلماذا فقدت هذه الضربات زخمها؟
هناك ثلاثة احتمالات لذلك:
الأول: ربما وجود صفقة روسية غربية حول مصير الأسد والوجود الإيراني، لأن المدة الزمنية بين رغبة ترامب بتوجيه الضربات وتنفيذها أخذت أكثر ممَّا ينبغي من الوقت، وهو ما يرجح حصول مفاوضات خلف الكواليس لتسوية المسألة، وخصوصاً أن وسائل إعلام لمَّحت عن دور تركي وسيط بين الطرفين.
وبناء عليه فقد تم تنفيذ ضربات محدودة لحفظ ماء وجه ترامب، وتقديم ذريعة لبوتين للتراجع عن دعم حلفائه لتجنب مواجهة عسكرية.
الثاني: جسُّ نبض الدول الغربية للرد الروسي والإيراني في حال التحرك نحو سورية، وما يعزز احتمالية هذا الاتجاه هو توجس ماتيس من خطوة ترامب التي يراها متهورة وقد تفضي لمواجهة مع روسيا وإيران في ظل غياب إستراتيجية واضحة للولايات المتحدة في سورية.
ولذلك بُنيت العملية الأمريكية على نمط مشابه للعمليات الإسرائيلة عن طريق العملية القصيرة المحدودة (مع فقدان عنصر المفاجأة هنا) كما أن عدم اكتمال القوة الضاربة يجنح بهذا الاحتمال للواقعية؛ لأن الحاملة هاري ترومان ومجموعتها لم تصل بعد إلى شرق المتوسط.
الثالث: خلافات غربية خارجية وداخلية أمريكية أدَّت إلى تقليص حجم العملية، ولا سيما أن الإدارة الأمريكية منقسمة على نفسها فيما يخصُّ الملف السوري، فترامب نفسه ناقض كلامه في أقل من شهر بين رغبته بالانسحاب وتهديده بالتدخل بالقوة، كما أن بولتون المتفق مع توجهات ترامب يلقى مواجهة من قبل وزير الدفاع ماتيس بتوسيع الضربة وحتمية قوتها تحسباً لنتائج المواجهة المدمرة التي قد تنطلق شراراتها من سورية.
بينما يقف حلفاء الأطلسي من الجهة الغربية موقفاً متذبذباً من هذه العملية، لأنهم متاخمون للاتحاد الروسي وتربطهم به علاقات اقتصادية وسياسية لا مبرر لهدمها من أجل مغامرات ترامب، ولذلك حافظت الدبلوماسية الفرنسية على خط اتصال مع روسيا خلال تنفيذ الحملة، كما أن الدول الأوربية تعارض سلوك ترامب في تعامله مع الملف النووي الإيراني، ولا تشاطره الرؤية فيه، وليست بحاجة إلى تصعيد مع إيران في سورية.
كل هذه الأسباب السابقة دفعت برياح العملية بما لا يشتهي ترامب، إنما كما رغب بوتين وتمناها الأسد، والأيام القادمة كفيلة بكشف ملابسات هذا القصور والتأخير بالعملية التي كانت أشبه بتدريبات مشتركة بين الدول الأطراف بالذخيرة الحية.