طالما آمنتُ أنَّ الصحافة الحقيقية هي صحافة تؤمن بالحرية المطلقة، تلك الحرية التي لا تصدِّق كذبة الحياد، إنَّما تمتلك الشجاعة الكاملة في التعبير عن الانحيازات المختلفة في حياتنا دون مواربة أو تجمّل، بمثل هذه المقدمة الشديدة الوضوح أريد أن أبدأ حديثي عمَّا يجري في جنيف.
في جنيف اليوم يتفاوض سياسيون لم يعرفوا الثورة قط، يتفاوضون مع النظام الذي يقاتلها من أجل تقاسم سلطة لا يمتلكها أيّ منهما.
في جنيف اليوم نتفاوض على حجم تمثيل منصات الأعداء في صفوفنا “القاهرة وموسكو” قبل أن نتفاوض مع العدو، ولا أتخيل كيف يقنعوننا بأنَّ العدو إذا فاوض نفسه، سيصل إلى حلول سترضي دماء من ماتوا وإلا … فالحل في سفك المزيد من الدماء.
في جنيف اليوم يتهموننا بأنَّنا لا نتقن السياسة، وهم الذين لم يسمحوا بتمثيل الثورة إلا من خلال الوفد العسكري، بينما خلت الوفود السياسية من أيِّ تمثيل للمعارضين حقيقةً فضلاً عن الثوار.
في جنيف اليوم -وبحجة تمثيل جميع أطياف الشعب السوري- تُهملُ الأكثرية في الوطن إهمالاً لا يليق بمن يدَّعي فهم المواطنة ويحرص على وحدة الشعب السوري عندما يكون جميع السياسيون من الأقليات، بينما يختفي ممثلو العرب السنة الذين يشكلون 60% من هذا الشعب فضلاً عن كونهم يشكلون أكثٍر من 90% ممَّن قام بالثورة واكتوى بنارها .
في جنيف اليوم -وبكل وضوح- يتفاوضون على شكل وفدهم، وعلى ظهورهم في المنصات المخصصة لهم، ولا يتفاوضون أبداً من أجل هذا الوطن، أو من أجل شعبه.
ندرك جيداً أصول اللعبة السياسية، وما ستؤول إليه الأمور، ونعلم أنَّ القرارات تتخذ بمعزل عن كلِّ من يحضر هذه المفاوضات، وأنَّ الحلول السياسية تكون جاهزة عادة، وأنَّ أدوار الممثلين في منصة جنيف قاربت على الانتهاء، ونعلم جيداً الهدف من تحييد الثوار والمعارضين عن هذه المفاوضات …
أمام هذا الخزي في جنيف اليوم، تزداد فرص الوصول إلى حلٍ ما “سيفرض على الجميع”
المدير العام | أحمد وديع العبسي
1 تعليق
محمد البدوي
يبدو أنّ وفد المعارضة في “استانة 3” وعى هذه الحقيقة فزهد في الحضور .. وأعجبُ من عدمِ حضورِ ممثلي الأقلّيات !