باسل إسماعيل |
قرب حاوية قمامة في مدينة (الدانا) بريف إدلب الشمالي، يتردد صوت متقطع لطفل حديث الولادة يحاول التشبث بالحياة بعدما حكم عليه ذووه أو أحدهم بالنفي، تاركًا وراءه حكاية جريمة غامضة، فما أسباب ظاهرة (اللقيط)؟ وما دور الشرطة والأمن؟ وكيف يتم التعامل مع الحوادث؟
المحامي (محمد سلامة) من ريف إدلب يقول لصحيفة حبر: “إن أسباب انتشار ظاهرة اللقيط هي الزواج المبكر، والفقر، أو زواج الفتيات من أشخاص مجهولي النسب، أو مقاتلين من فصائل المعارضة يتعرضون للاختفاء أو القتل خلال المعارك، فتلجأ عائلة الزوجة إلى رمي الطفل، إذ لا يمكن تسجيله كون الأب مجهول النسب.”
وأشار (سلامة) إلى أن “رابطة المحامين الأحرار في الشمال السوري قامت بعدة ورشات توعوية بهدف إرشاد المدنيين وتوعيتهم في مناطق الشمال السوري من خطورة هذه الظاهرة.”
بدوره قال النقيب (أحمد العبد المجيد) قائد سابق لمخفر شرطة حرة بريف إدلب: “إن الطفل اللقيط لا يمكننا تسميته بابن نكاح السِفاح، فهناك حالات تنجم عن رمي الأطفال ومنها وفاة الزوج، أو الغلاء الفاحش في الأسعار، وخاصة علب الحليب لحديثي الولادة، وتلك الأسباب تجبر الأم على ترك طفلها لترعاه عائلة ثانية.” مُوضحًا “أنه حسب القانون السوري وفي المادة 29 منه:
أ ـ في حال عُثر على مجهول النسب، يجب على من يعثر عليه تبليغ الشرطة أو المختار فور عثوره عليه بغية تنظيم المحضر اللازم بذلك.
ب ـ يُعدُّ مجهول النسب عربيًا سوريًا مسلمًا مولودًا في سورية في المكان الذي عُثر عليه فيه، ما لم يثبت خلاف ذلك.
ج ـ يُعدُّ بحكم مجهول النسب:
1 ـ الطفل المجهول النسب، ولا يوجد من يقوم بإعالته شرعًا.
2 ـ الطفل الذي يضل الطريق ولا يملك المقدرة للإرشاد عن ذويه لصغر سنّه أو ضعفه العقلي، أو لأنه أصم أبكم ولا يحاول أهله استرداده .
د- يجوز منح مجهول النسب نسبة الأسرة الحاضنة بناءً على طلب خطي من ربِّ الأسرة.”
وأردف النقيب (أحمد) أن “المناطق المحررة حاليًا لا تمتلك دور الرعاية من أجل تربية هؤلاء الأطفال ورعايتهم، إذ يتم أخذ الطفل وتسليمه إلى مختار الحي أو القرية أو العائلة التي ستقوم برعايته بعد اتباع عدة إجراءات.
و من خلال تجربتي العملية في الشرطة، تم إعلامي بوجود طفل حديث الولادة أمام أحد المساجد، فتم إحضاره مباشرة للمركز، وتمّ كتابة ضبط وإبلاغ المحكمة المختصة، وأمر رئيس المحكمة بإرسال الطفل إلى مشفى أطفال للفحص الطبي ورعايته ريثما يتم إصدار قرار تسليمه، وخلال وجود الطفل في المحكمة
تقدم عدد كبير من الأهالي من أجل رعايته وتمت دراسة الطلبات المُتقدِّمة من قبل المحكمة، وتم إصدار قرار تسليم الطفل لشخص من أجل رعايته.”
وتشجع الشريعة الإسلامية على كفالة الأيتام، إلا أنها لا تبيح تغيير أنسابهم حسبما قال الشيخ (فواز العلي) خريج كلية الشريعة من جامعة دمشق.
وأكد (العلي) لحبر أن “الأمر محسوم شرعًا بحرمة التبني، إلا أن الشرع يسمح للمرأة بإرضاع الطفل دون السنتين لتثبت حرمة الإرضاع وتصبح وزوجها أمًا وأبًا للطفل بالرضاعة، لكن مع حفظ نسبه إن كان معروفًا أو عدم إعطائه نسب العائلة التي ترعاه.”
ونوه العلي إلى أن “القانون السوري منع وجرَّم التبني، وأوجد بدلاً عنه مراكز الرعاية التي تخصص ملفًا لكل طفل يُذكَر فيه مكان إيجاده وعمره، ويخصص له اسم ولقب في حال لم يُعرَف نسبه ويسجل في السجل المدني.”
وحذر (العلي) من غياب التشريعات الناظمة والمتابعة القانونية للمستجدات في المناطق المحررة التي ضمت ملايين السوريين النازحين والمهجرين، وأثرها على ضياع هوية الأطفال السوريين المشردين والأيتام.
هؤلاء الأطفال، وعلى الرغم من الوضع الإنساني والاستثنائي لهم، لا توجد طريقة قانونية من أجل توثيق أسمائهم في القيود والسجلات المدنية حاليًا، خاصة أن الشمال المحرر أصبح مفصولاً بشكل نهائي عن النفوس الأحوال المدنية الحكومية، بسبب نقلها إلى مناطق سيطرة النظام السوري في محافظة حماة.
ومن القصص الفريدة لرعاية أطفال حديثي الولادة، عثر (أحمد الأسعد) بريف معرة النعمان الشرقي منذ سنة على طفل أمام باب أحد المنازل فجر يوم شتوي بارد بعد أن سمع صوت بكائه في مدخل المنزل تمام الساعة الرابعة صباحًا، خرج (أحمد) وفتح باب منزله وإذ بطفلة حديثة الولادة ملفوفة بقطعة قماش تبكي من شدة البرد، وعندما اقترب منها ليحملها ويدخلها إلى بيته ويعطيها لزوجته سمع صوت دراجة نارية قد تم تشغليها بالقرب من منزله، فشاهد رجل وامرأة ملثمين يغادران المكان، حاول النداء لهما مرات ومرات لكنهما لم يتوقفا.
يضيف (أحمد): “أيقظت زوجتي وقمت بإشعال مدفأة الحطب بسبب الجو البارد جدًا، لكن لا يوجد لدينا حليب للأطفال، انتظرت حتى سمعت أذان الفجر وانطلقت مسرعًا باتجاه المسجد لأداء صلاة الفجر، وبهدف سؤالي للجيران في المسجد إن كان لديهم حليب للأطفال، وبعد صلاة الفجر تصادفت بالصيدلاني على باب المسجد وسألته عن حليب لطفلة حديثة الولادة كنا قد وجدناها أمام باب المنزل قبل صلاة الفجر، وذهبنا سويًا للصيدلية وأعطاني الحليب من أجل إرضاع الطفلة في ذلك اليوم، وفي تمام الساعة 9 صباحًا توجهت إلى مخفر البلدة وأبلغتهم بما حدث معي فجر ذلك اليوم، حيث قام عناصر مخفر الشرطة الحرة بتنظيم ضبط أصولاً وتكفلت برعاية الطفلة. “
يروي الأسعد بأنه “وبعد مرور يومين على الحادثة أتفاجأ برجل من حارتي يدعى (أبو حسن) يبلغ من العمر 45 عامًا يطرق باب بيتي هو وزوجته عند العصر تقريبًا قمنا باستقبالهم أنا وزوجتي، وخلال جلسة الأحاديث والترحيب طلب مني بأن أعطيهم الطفلة حتى يقوموا بالرعاية والعناية بها وتربيتها، فأبو حسن وزوجته ليس لديهم أطفال بسبب العقم الذي أصاب أبو حسن، هنا وقعت في حيرة من أمري أعطيهم الطفلة أم أتركها معي لتربيتها؟ في لحظة من اللحظات نظرت إلى أم حسن وإذا بعينيها تذرفان الدموع وهي تتوسل لي بأن أعطيهم تلك الطفلة، ووعدوني بأن يقوموا بتربيتها ورعايتها، هنا قررت إعطاءهم الطفلة لتربيتها عن طريق مخفر الشرطة الحرة بريف إدلب. “
لم تمضِ بضعة أشهر على تربية الطفلة لدى عائلة (أبو حسن) حتى فارق (أبو حسن) الحياة بسبب نوبة قلبية، فقرر شقيقه الأصغر (عبيدة) تكفل الطفلة ورعايتها وتربيتها ليتحمل الجميع (أم حسن ، عبيدة وزوجته، والطفلة الصغيرة) مرارة النزوح بعد تقدم مليشيات الأسد إلى منطقة ريف إدلب الشرقي والسيطرة عليها وتهجير المدنيين.
وتتكرر هذه الحالات بالمناطق المحررة، وهي ناتجة عن انهيار الاقتصاد، وانتشار البطالة، وعدم الاستقرار الناتج عن النزوح المتكرر نتيجة العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات الأسد شمال غرب البلاد، وانعكاساتها على الوضع بشكل عام.