بقلم محمد ضياء أرمنازيعندما يتفوق النظام علينا بسلاح الطيران الحديث، وعندما نعجز عن إسقاط تلك الطائرات الحربية بسبب عدم توفر السلاح الفعال المضاد لها، يبقى عندنا خيار واحد فقط وهو الاحتماء من الطيران بالأرض، عن طريق حفر الأنفاق والاختباء فيها أثناء القصف، وبهذه الطريقة نكون قد حيَّدنا هذا السلاح الفتَّاك عن المعركة، و كثيراً من الأسلحة المهمة كقذائف الدبابات والمدفعية والقناصة.استُخدمت الأنفاق العسكرية في العصور الوسطى تحت القلاع والحصون من أجل استخدامها كممرات سرية، وأحياناً للعبور تحت جدران القلاع، لمهاجمتها والدخول إليها.أمَّا في العصر الحديث، فقد استخدمت الأنفاق العسكرية للحماية من سلاح الطيران، وتفوق السلاح العسكري المتطور في الحروب الدفاعية، ومن أهمِّ من استخدم هذه الأساليب الفيتناميون، فقد استخدموا هذا التكتيك العسكري في حربهم ضد فرنسا، ومن ثمَّ ضد أمريكا خلال الحرب الفيتنامية، وكانت الأنفاق سبباً مهماً في هزيمة أمريكا ومن قبلها فرنسا.اشتهرت المقاومة الفيتنامية بحرب الأنفاق، وكان طول النسخة الأصلية لهذه الأنفاق (200) كلم، وقد قام الفيتكونغ ببناء هذه الأنفاق تحت غابات كوتشي خلال حرب فيتنام، وكانت تشتمل على المستشفيات والمطابخ وغرف النوم وقاعات الاجتماعات ومخازن السلاح، ولعلَّ هذه الأنفاق من أهمِّ التكتيكات العسكرية التي سجلت نجاحاً منقطع النظير.وكان للأنفاق عدة وظائف: دفاعية، وهجومية، كما كان لها أهمية في مرحلة التحضير والإعداد للهجمات الاستراتيجية على القوات المعادية على الرغم من أنَّها أنفاق بدائية احتاجت إلى صبر ومثابرة وقدرة على التحمل في إعدادها، وقد صممت بحيث يصبح تحت كل قرية سرية مقاتلة، كما أنَّ لكل نفق خرائط تختلف عن الأنفاق الأخرى حتى يصعب الاستفادة من سقوط أحدها في السيطرة على الأخرى. ولا شك أنَّ شبكة الأنفاق هذه كانت الفيصل في هزيمة أمريكا وخروجها المذل من فيتنام عام 1976وقد نسخت هذه الأنفاق، وأُدخل عليها تعديلات من قبل عدة دول ومنظمات يأتي في مقدمتها كوريا الشمالية التي صدَّرت هذه الخبرة إلى إيران، وهذه بدورها صدَّرت الخبرة إلى حلفائها أمثال حزب الله في جنوب لبنان والحوثيين في اليمن.وفي مدينة غزة أيضاً كانت الأنفاق أحد الوسائل التي استخدما الغزيون مستفيدين من تجارب الفيتناميين إلاّ أنَّهم طوَّروها بحيث تصبح ذات مهام عسكرية وأمنية واقتصادية على الرغم من بدائيتها ومخاطرها وتكاليفها، فهي أفضل وسيلة للتسلل خلف خطوط العدو ومفاجأته، والوصول إلى مُدنه وقراه وتحصيناته العسكرية، وتفادي نقاط مراقبته، وقد كان لهذا التكتيك دور فاعل في مقتل عدد كبير من الجنود الإسرائيليين وتدمير عدد كبير من معداتهم.وهنا يأتي السؤال المهم: لماذا لا نأخذ نحن المجاهدين هذا التكتيك العسكري وننفذه ونحيد سلاح الطيران عن هذه الجبهات؟! إنَّ حرب الأنفاق تناسب المناطق القريبة من مناطق النظام، وهناك عدة جبهات مع النظام لا يفصل بينها وبين الثوار إلا عدة أمتار، لماذا لا ندخل إلى مناطقهم عن طريق الأنفاق ونحيد القناصة عن معركة الشوارع؟!نحن إن استخدمنا هذا التكتيك نكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد، الأول حفر الأنفاق للأهداف التي سبق ذكرها، والثاني اشتغال الشباب والمقاتلين بمهمة ينفذونها وقت الهدوء، فحفر الأنفاق مهمة حربية لا تقل أهمية عن الحرب نفسها، لِمَا تمثِّله من وسيلة عسكرية وأمنية واقتصادية أمام جبروت الأعداء، ولأهميتها في تأمين المواد التموينية والدواء والسلاح وغيرها ممَّا يحتاجه المحاصرون من مقومات الحياة، وبالتالي الصمود في وجه العدو، فنحن باتباع هذا التكتيك نقلل من الخسائر البشرية، فتقتصر الخسائر على النواحي المادية دون الأرواح التي يسعى العدو دائما إلى حصدها.