لقد كان الموت هو سيد الموقف في مدينة حلب التي لم تعد تعرف ليلها من نهارها، قصف عنيف بالمدفعية الثقيلة وبراجمات الصواريخ وبالطائرات الحربية والمروحية، اجتاحت أحياء مدينة حلب المحررة وانهالت غارتها على رؤوس سكانها، مخلفة مجازر مروعة تكاد العين لا تصدق ما تراه، والعقل لا يمكنه استيعابه، فمن قصف الطائرة الحربية التي تتبعها القذائف إلى المروحية المحملة بالبراميل وصواريخ الفيل التي تتساقط بين هذه الغارات المتناوبة، وكأنه نظام قصف منظم وليس عشوائي.
فما إن تُقصف المنطقة ويهرع الناس وسيارات الإسعاف والدفاع المدني للإنقاذ حتى تباغتهم الغارة الثانية في نفس المكان، والنتيجة مجزرة أكبر، وشهداء أكثر، وكل ذلك برره النظام بحجة محاربة الإرهابيين، بينما حليفته روسيا ادعت أن القصف هو من قبل جبهة النصرة الإرهابية.
وبين التنديد والاستنكار، وابداء القلق والتخوف، وبتخاذل عربي وعالمي لا تزال مدينة حلب ترزح تحت وطأة القصف المتواصل والذي أودى بحياة مئات المدنيين، إضافة إلى دمار وتهدم غالبية المنشآت والبنى التحتية للمدينة، حيث ارتكبت قوات النظام مجزرة في مشفى القدس بحي السكري راح ضحيته خمسون شهيد، ومئات الجرحى حالة بعضهم حرجة، إضافة إلى استهدافه نقطة طبية في المرجة وأخرى في بستان القصر، وكأنه يريد قتل حتى ما يمكن أن يساعد المدنيين على الحياة. هذا عدا عن القصف الذي استهدف الأحياء السكنية التي تهاوت ودمرت المنازل فيها فوق رؤوس ساكنيها.
سياسياً فقد أبدى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تخوفه وقلقه نتيجة ازدياد وتيرة العنف والقتل، وطلب من أطراف النزاع المحافظة على ضبط النفس.
من جانبه طالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون روسيا وأمريكا لاستخدام نفوذهما للضغط على أطراف النزاع ووقف أعمال القتل والعنف. كما دعا المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا كل من موسكو وواشنطن إلى إنقاذ الهدنة التي ترنحت وتدهورت خاصة في حلب كما طلب وقف أعمال القصف والقتل.
وبعد كل تلك المجازر والإدانات والدعوات بوقف القتل والقصف قابلتها موسكو وواشنطن بالاتفاق على نظام تهدئة سمي ب “نظام الصمت” يبدأ من الساعة الواحدة صباح يوم 30 نيسان 2016م ويشمل مناطق الغوطة الشرقية ودمشق لمدة 24 ساعة ومناطق ريف اللاذقية الشمالي لمدة 72 ساعة دون أن تشمل التهدئة مدينة حلب التي تشهد أعنف وأشد وتيرة عنف وقتل،
اتفاق رآه كثيرون بأنه مضيعة للوقت واستهتار بحياة ألاف المدنيين، كما أنه يعطي الضوء الأخضر للنظام ليستمر بمجازره اليومية ضد المدنيين، فقد رأى الكثير من الناشطين والمحللين السياسيين بأنه أشبه باتفاق يستبيح به دماء الناس أكثر خاصة في حلب التي هي التي يجب أن يبدأ فيها نظام التهدئة، اتفاق أشبه بمسرحية هزلية تشمل مناطق هي بالأصل لا تشهد وتيرة عنف وقتل، بل على العكس ستعزز من مواقع قوات النظام في أماكن تواجده في تلك المناطق.
كما أن روسيا وأمريكا لو أرادتا إنهاء الحرب في سورية لأمكنهم ذلك لكن هم يريدون ويسمحون للنظام في أن يستمر بالقتل والتدمير فهي بالأساس عملية تغيير جغرافي وديموغرافي للمنطقة والسكان، قصف وقتل متواصلين ومحاولة إحكام السيطرة على حلب وقطع كل طرق الإمداد.
إلا أنه وبعد الكثير من المطالبات من عدة جهات سياسية تم عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن بدعوى من فرنسا وبريطانيا لمناقشة التطورات الجارية في حلب وتم الاتفاق على توسيع الهدنة لتشمل مدينة حلب وتبدأ صباح يوم الخميس 5/5/2016 مدتها 48 ساعة.
هدنة ربما من شأنها أن تعطي للمدنيين فرصة لأن يضعوا شبح الموت جانباً، مع أنهم يأملون أن يعيشوا لحظات بعيدة عن الة الموت التي تدق أبوابهم.
تقرير: عمر عرب