د. عبد الكريم بكار.
مسألة تطبيق الشريعة والسعي إلى أن تكون كلمة الله تعالى هي العليا في جميع جوانب الحياة من المسائل المتعالية على الخلاف والجدل، وأرجو تجاوز هذه النقطة في أي نقاش.التفكير والنظر والتأهيل…كلُّ ذلك يجب أن ينصبَّ على كيفية تحقيق ذلك.
1- إذا أردنا لتطبيق الشريعة أن يقوم على الإيمان والتعاطف الشعبي، فليس أمامنا سوى إقرار ذلك في الدستور، لأنَّ الدستور هو العقد الذي يربط المواطنين بحكومتهم، ولهذا فلا بدَّ من موافقة أغلبية المواطنين عليه، وفي بعض الدول يتم التصويت على الدستور مادة مادة من أجل المزيد من اكتشاف آراء المواطنين حول المواد التي تستقطب الخلاف في العادة.
هذا يعني أنَّ معركة إقرار الدستور هي المعركة الفكرية والأخلاقية الكبرى في أي بلد.
البديل عن المعركة الدستورية هو انقسام الدولة الواحدة إلى دويلات تحكم كل دولة بالقوانين التي يراها أولئك الذين سعوا إلى قسمها، أو يكون البديل هو الاقتتال ومحاولة كلِّ مكوِّن أوطرف فرض ما يريده على الآخرين.
2- أسوأ الحكومات وأتعسها حظا هي تلك التي تأتي بعد ثورة، وذلك لثلاثة أسباب:
الأول هو أنَّ الناس بسبب ما قدموه من تضحيات جسام يحقرون كلَّ ما يقدمه الحكام الجدد من خدمات، لأنَّه في نظرهم أقل من المتوقع ولا يتناسب مع التضحيات التي قدموها.
الثاني هو أنَّ الحكومة الناشئة ستواجه قرابة عشرة ملفات، كلُّ ملف منها كافٍ لإسقاط حكومة مستقرة.
الثالث هو أنَّ الحكام الجدد يعانون من عدم امتلاك الخبرة، وذلك لأنَّهم كانوا مهمشين وبعيدين عن مراكز اتخاذ القرار، وهذه معضلة كبيرة.
لهذا فإنَّ السنوات التي تلي سقوط النظام هي سنوات لحرق الرموز وإخراج أعداد كبيرة منهم من الساحة السياسية بسرعة وقبل الأوان.
إنَّ الثورة الفرنسية استغرقت سبع سنوات، لكن استقرار الدولة الفرنسية استغرق ثمانين سنة، تعاقب على حكمها سبعون حكومة!
3- تطبيق الشريعة يستلزم وجود المؤمنين بها في السلطة، إذ حتَّى لو كان هناك دستور إسلامي بمعنى الكلمة، فإنَّ تطبيقه يحتاج إلى رجال دولة يحملون خلفية ثقافية ولديهم أدبيات ورمزيات تدعم الامتثال للدستور من خلال توفير البيئة المناسبة، ومن خلال ملء الفراغات القانونية بما يتناسب مع روح الشريعة ووجهتها العامة.
هذا يعني شيئين:
الأول هو أن يزج الإسلاميون بعدد كبير من رموزهم في المحرقة السياسية، وذلك لا يعني خروجهم من المسرح السياسي في وقت مبكر فحسب، لكنَّه يعني أيضا تعطل دورهم في قيادة الحياة العامة سنوات عديدة بسبب تشوه الصورة الذهنية التي كان الجمهور قد رسمها لهم.
الثاني: هو تأهيل عدد جيد من الشباب المسلم الممتاز، لأن يكونوا بعد عشر سنوات على الأقل رجال دولة أكفاء ومحنكين، وهذا يتطلب ابتعاث عشرات- إن لم نقل مئات- الشباب لدراسة الماجستير والدكتوراه في جامعات مهمة في تخصصات مثل العلوم السياسة والإعلام والاجتماع والقانون والعلاقات الدولية والدبلوماسية…
الملاحظ في هذا السياق أنَّ المتخصصين من الإسلاميين فيما أشرت إليه قليلون إلى حدِّ الندرة.
تطبيق الشريعة يستحق أن نتعامل معه على أنَّه هدف استراتيجي جليل، وهذا يتمُّ من خلال العمل الدؤوب والذكي، ومن خلال ارتقاء المجتمع وتقدمه نحو الإسلام.
البيانات والشعارات من غير فهم للواقع الإقليمي والعالمي والمحلي لن تدفع بمسألة تطبيق الشريعة إلى الأمام، بل ستشدها إلى الخلف.
والله المستعان.