“ماذا تفعلون؟! لماذا تأخذون وضع المزهرية؟ أين 400 S ؟” هي أبرز التعليقات التي انهالت على صفحة قاعدة حميميم بعد أن تحدثت في صفحتها على الفيس بوك عن ضربات إسرائيل فجر الخميس على المواقع الإيرانية في الجنوب السوري، ذلك اليوم الذي اضطربت فيه الحسابات السياسية بالتوازي مع اختلال المناخ في الأجواء السورية، فكما اختلطت الأوراق السياسية والعسكرية ليلتها تشابهت ارتدادات القصف والعواصف على نحو لم تألفه حدود الاحتفاظ بحق الرد منذ عقود.
هذا الصخب الذي أزعج شاشات الرادار الروسية في حميميم كان متوقعاً من قِبل معظم المحللين على شاشات التلفزة العالمية عقب انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، ما جعل من القاعدة العسكرية التي تَبني مجدَ بوتين القيصري عبارة عن مركز رصد لعدد الصواريخ والطائرات ونقاط القصف المستهدفة ومناط سخرية واستهزاء لدى السوريين الموالين والمعارضين.
إن اللون الرمادي الذي تحاول موسكو سياسياً وعسكرياً الحفاظ عليه بين طرفي الصراع لم يعد مجدياً في حسابات السياسة الإقليمية بشكل عام والسورية بشكل خاص، فالبراغماتية السياسية في التعامل مع هذا الصراع لم تعد منطقية أمام الثقل الروسي في سورية والمنطقة، وباتت دعوات الهدوء الروسية للجانبين تُترجم عجزاً واضطراباً يعتري السياسة الروسية ويعتري جبروتها العسكري في التعامل مع هذا الملف.
لا أعتقد أن دوائر القرار الروسية قد حسمت أمرها حتى اللحظة في أي اتجاه سوف تذهب بعد أن وقفت في الوسط لفترة طويلة، فالأمر لم يعد مقبولاً لكلا الجانبين أن تبقى روسيا على مسافة واحدة منهما، فزيارة نتنياهو الأخيرة موسكو تزامنت مع تصعيد إسرائيلي في التصريحات والعمليات، مما يرجح أن يكون هناك اتفاق بين الروس والإسرائيليين على التنسيق وغضّ الطرف عن تصرفاتهما التي تحقق مكاسب متبادلة لهما، فالروس في النهاية لا يريدون للإيرانيين أن يشاركوهم الكعكة السورية التي لم يحصلوا عليها كاملة بالأساس، كما أنهم لا يردون تدخلاً سلبياً لإسرائيل يضرُّ بالمصالح الروسية في المشهد السوري وخصوصاً بعد أن أرسلت إسرائيل رسالة واضحة باستهدافها منصة بانتسير أس 1 موثقة بفيديو خلال قصفها ليل الخميس لمواقع إيرانية، وهددت إيران علناً و “روسيا بشكل غير مباشر ” بقتل الأسد.
غير أن الإسرائيليين يرغبون بخطب الودِّ الروسي لحجم نفوذ الأخير على ملف طهران النووي من حيث الضغط والبناء و التطوير، فالعين الروسية على مفاعلات طهران هي مكسب إسرائيلي كبير في ظل تطور مستوى التعاون الاستخباراتي والأمني بينهما، لذلك لا تزال خيوط المصالح بين الطرفين فاعلة وضرورية لهما وتعزز فرص التقارب بين إسرائيل وروسيا باحتمالات متوقعة جداً.
لكن على الطرف النقيض تحتاج روسيا إلى إيران في مواجهة الحلف الأمريكي في المنطقة ولا تريد خسارة ورقة مساومة رابحة في مواجهة الغرب، كما أنها شريك استثماري جيد في مجال الطاقة وذراع مساند لعمليتها العسكرية في سورية من خلال استخدام أجوائها وميليشياتها لترسيخ وجودها في المنطقة.
إن انخراط اللاعب الإسرائيلي في الحلبة السورية من بوابة العداء لإيران وميليشياتها يضع الساسة الروس بين خيارين أحلاهما مرّ وتبقى سرعة التطورات و الأحداث بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي كفيلة بالضغط على موسكو لحسم قرارها في حال استمرار التعنت الإسرائيلي و التهور الإيراني.
فهل سيستمر بوتين باللعب على وتر المتناقضات الذي تضيق خياراته به أم أنه سيهوي بأحلامه نحو أحد الأطراف وعندها سيطلق النار على قدميه عندما يتخلى عن الآخر.