غسان الجمعة |
بالطريقة التي يدير بها أعماله التجارية وليس بالحنكة التي يفترضها أي قارئ للمشهد احتسب ترامب وجود قوات بلاده بميزان الربح والخسارة رغم أنها مدفوعة التكاليف، ليعلن انسحابها من أمام المضاربات السياسية التركية في صفقة ظهرت فيها عروض ترامب واختفت منها مقايضة أنقرة.
ثقل تغريدة الانسحاب على الساحة السياسية بدأت ارتداداتها من مركزها في الإدارة الأمريكية بما هو أشبه بالطرد لوزير الدفاع ماتيس الذي أعرب عن رغبته بالاستقالة لعدم توافق أفكاره مع ترامب، بينما ألغى المبعوث الخاص جيمس جيفري اجتماعات كان من المفترض أن يعقدها في الأمم المتحدة حول عملية السلام في سورية.
بينما راوغت الدول الأوربية بامتعاض وقلق الموقف الأمريكي، على نقيض موسكو وحلفائها الذين تلقوا هدية عيد الميلاد حسب محللين أمريكيين.
رغم الشكوك وغموض الانسحاب وحجمه إلا أنَّه شكل صدمة هائلة لدى ميليشيا الوحدات الكردية التي تعول على الولايات المتحدة في استمرار كيانها وتحقيق حلمها الانفصالي.
إن موقف الميليشيات الإرهابية في شرق الفرات هو أشبه بمن تلقى صفعة واستشعر ألمها، في حين لا يزال الخوف متملكاً قلبه عمَّا تخفي من ورائها تلك الضربة من حسابات وتبعات، فخيارات قسد باتت ضيقة ومحدودة في ظل التحضيرات الميدانية التي تشهدها الحدود التركية للبدء بعملية عسكرية بمشاركة الجيش الحر تستهدف وجودها الراديكالي في بنية النسيج السوري الذي يعاني منها منذ سنوات.
المظلة الأوربية و الخليجية هي أول مقامرات قسد في المواجهة بعيداً عن ترامب و لاسيما أن دعوة فرنسية استدركت الذعر السياسي لقادات الميليشيا من أجل التشاور في باريس نتج عنها تطمينات فرنسية بالوقوف إلى جانبها، وهو ما تماهت معه أيضاً الخارجية البريطانية عبر تصريحها بأن تنظيم داعش لم ينتهِ بعدُ وأنها ملتزمة بحربها ضده، في حين قد لا تفوت الدول الخليجية هذه الفرصة للانخراط شرق الفرات لأنه ورقة مهمة في صراعها مع إيران و منافستها لتركيا خاصة أنها أعلنت مراراً استعدادها للمشاركة عسكرياً و مادياً بشكل أكبر.
هذا الوميض قد يصعب تحقيقه لعدم استقلالية المنظومة العسكرية الأوربية والخليجية عن الأمريكية، كما أن أدوار اللاعبين وأساليب ضغطهم وتحديداً الروس والأتراك قد تختلف بعد الانسحاب الهوليودي ممَّا سيضع هذه الدول في موقف محرج سياسياً وعسكرياً.
ويبقى الخيار الثاني كمن يمشي إلى حبل مشنقته بإرادته، فالكابوس الذي لا تريد قسد الوصول إليه هو انتحارها بأحضان النظام السوري الذي طالبها في جلسات مفاوضاته باستسلامها غير المشروط وتسليم كامل الأراضي الواقعة تحت سيطرتها لسلطته قبل أي مطالب، هذا الخيار الذي تضغط موسكو نحوه بتجاهلها للميليشيات الكردية وبعدم اعتراضها على تحركات أنقرة قد يوفر على الأحزاب الانفصالية فاتورة الأرواح، فأنقرة وعدت بتحويل خنادق شرق الفرات إلى مقابر، وبالتالي ستدفن أحلام قسد إلى أجل تاريخي جديد تعيد فيه أدوارها المعتادة نفسها إن تذكرتها.
إن خلط الأوراق على الساحة السورية إما سيكون باباً للحل عن طريق الاقتسام والتحاصص للأرض السورية وفقاً للمصالح خاصة أن دوافع التدخل لدى الأطراف متغايرة ومصالحها متباينة، أو باباً لحريق افتعله ترامب لاستنزاف الجميع بتغريدة، وهو ما دفع الأتراك للتريث بينما ستكون قسد في كلا الحالتين كبش الفداء.