معن بكور |
تُعدُّ خيام العرب الرّحل المسكن الأساسي لهم في مناطق البادية السورية، حيث تكون مراعي قطعانهم متوفرة وواسعة بالإضافة إلى قربهم من الحدود مع الدول التي يتم تصدير القطان إليها (كالعراق، والأردن، والسعودية) لكن ومع بداية الثورة السورية والصراع المستمر في مناطق البادية بين التنظيمات المنتشرة هناك، اضطر سكان تلك الخيام إلى الرحيل بعوائلهم وقطعانهم إلى مناطق أكثر استقرارًا وأمنًا، إذ تتوزع تلك الخيام اليوم في مناطق الشمال المحرر الواسعة، حيث الكلأ والماء متوفر لقطعانهم التي تُعدّ مصدر عيشهم الأساسي.
(أبو خالد الفرهود) أحد سكان منطقة البادية السورية في منطقة (السخنة) شرق حمص من عشيرة (بني خالد) كان لديه خيمة يقطنها في البادية، ويرعى قطيع أغنام له في منطقته، يتحدث لحبر بقوله: “كنا قبل انطلاقة الثورة نسكن في تلك الخيمة مطمئنين البال أنا وزوجتي وأربعة أولاد، وكنت رغم مقدرتي على بناء منزل أهوى السكن في الخيمة التي رُبيت بها منذ الصغر، ولكن أجواء البادية تفرض علينا الترحال بين الفترة والأخرى بحثًا عن الكلأ والماء للقطيع، ومع بدء الثورة اضطررت إلى الرحيل بعائلتي وقطيعي إلى مناطق ريف حماة الغربي بمنطقة (شهرناز) ومن ثم ريف حلب الشمالي بمنطقة (عفرين) لأبني من جديد خيمتي هناك، وأبدأ عملي من جديد في الرعي وبيع مشتقات الألبان.”
يكمل (أبو خالد) فيقول: “الخيمة تراث أجدادي ولا يمكنني التفريط بها أبدًا، حيث إنها تحتويني وعائلتي في ظل الغلاء الفاحش وصعوبة استئجار بيت فيه أرض أضع فيها قطيع الغنم بجانبي؛ أما الآن مع تلك الخيمة أستطيع بناء شبك من الحديد بجانبها أضع داخله غنمي دون الحاجة إلى استئجار مكان ربما يكون بعيدًا عن عيني.”
أما (أبو عزام الحمصي) الذي كان يسكن في قريته بحمص، وهو مزارع، قال: “كنت أسكن في منزلي بحمص قبل أن يتم تهجيرنا إلى الشمال المحرر عام 2018 ، ولكن عندما أتيت إلى منطقة الباب شمال حلب، وجدت من غلاءً في إيجارات البيوت لا أستطيع تحمله مع أعباء أسرتي التي تتكون من زوجتي وأطفالي الثلاثة، فقمت بشراء خيمة من خيام العرب الرحل ونصبها بالقرب من مدينة الباب في أرض صخرية، وقمت بشراء خزان مياه وضعته بجانب الخيمة للشرب والغسيل، وجلست فيها مرتاح البال من أعباء الإيجارات التي تكسر كاهل رب المنزل.”
وفي حديث لحبر مع (خاطر أبو عبدو) من قبيلة النعيم المشهورة شرح لنا عن أنواع الخيم، بقوله: “للخيام أنواع متعددة، فمنها المثولث والمروبع والمخومس والمسوبع على عدد أعمدة الخشب الموجودة داخل الخيمة التي ترفع السقف، ويُعبر اتساع الخيمة وضيقها عن الحالة الاجتماعية لصاحب الخيمة بين قومه ومنزلته؛ وأما أقسام الخيمة فهي قسمان (الربعة أو الشق، والمحرم) أما الربعة فهي مجلس الرجال وتكون أوسع من المحرم الذي هو مجلس النساء، ويقسم بين الربعة والمحرم قطعة قماش تسمى (الزرب) ويكون مزينًا بألوان كثيرة، وقد يصنع من القصب أحيانًا على حسب حالة صاحب الخيمة ومقدرته .”
يضيف (أبو عبدو): “تُبنى الخيمة بطريقة هندسية جميلة، وتكون منسوجة من قطع يكمل بعضها بعضًا، وأغلب الخيام تصنع من صوف الماعز الأسود لمتانته وقوته، وذلك بعد غسيله ودبغه بشكل جيد، ثم يُغزل بمغزل خشبي يدويًا وتستغرق صنع الخيمة زمنًا طويلاً ربما يصل إلى السنة، حسب كبرها وتوفر صوف الماعز.”
و الجدير بالذكر أن للعرب الرحل عادات وتقاليد ماتزال راسخة في عقول أبناء القبائل رغم كل التطور الذي يجري في العالم، فمن دخل خيمة أحدهم مُستجيرًا يُجار ولو كان قاتل ابن الخيمة.