غسان الجمعة |
رغم انتصارها على تنظيم داعش ما تزال الولايات المتحدة تفتح خطوط الإمداد لدعم ميليشيات قسد خلافاً لتبريرها ذلك مع بداية حربها ضد تنظيم داعش، حيث أقر البنتاغون مبلغ 300 مليون دولار رغم انتهاء حربها على تنظيم داعش وإعلانها الانسحاب من سورية، وهنا يثور تساؤل حول مسببات استمرار تدفق الشحنات العسكرية وتقديم الخدمات اللوجستية لحليف واشنطن في سورية؟
لا أحد ينكر رغبة ترامب بالانسحاب من سورية، لكن الضغوط التي واجهها من اللوبي الإسرائيلي عقب إعلانه المفاجئ غيرت من ماهية قراره وشكله حتى وصلت به إلى تحقيق شروط يجب توافرها على الأرض لتطبيق ذلك وكان أولها إيران.
فالنجاح الإسرائيلي في توظيف الوجود الأمريكي في سورية بالضغط على إيران يحتم على الإدارة الأمريكية استمرار دعمها للوحدات الكردية وخصوصاً بعد توجه طهران لبناء جسر يؤمن وجودها في سورية من خلال تنسيق ثلاثي مع بغداد ودمشق بعيداً عن الحليف الروسي الذي باتت تنظر إليه طهران من زاوية الخيانة، وهو ما دفع رئيس الأركان الإيراني لترتيب زيارة مؤخراً لخطوط الدفاع في حوض الفرات ومراكز القيادة في دمشق والاجتماع مع نظرائه العراقيين والسورين لتنسيق ما أسمته (مكافحة الإرهاب).
هذه الحالة التي تفرضها إيران في سورية دفعت واشنطن لتبني النموذج العراقي من خلال دعم الميليشيات الانفصالية (قسد) لمواجهة نفوذ طهران في سورية وما ينطوي عليه من مخاطر بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية وتهديدات الحلفاء الخليجيين، ولذلك من المحتمل أن تزيد هذه المساعدات العسكرية أضعافاً في حال تسخين جبهات المواجهة الراكدة وبالأخص بعد القضاء على تنظيم الدولة.
ومن جهة أخرى تعدُّ شحنات الأسلحة لميليشيا (قسد) رسائل مزعجة للحكومة التركية التي خرجت من بيت الطاعة الأمريكي واستقلت بسياستها الخارجية عن دورها التاريخي، وباتت أكثر انسجاماً مع الروس العدو التقليدي لحلف الناتو، وما تزال تطورات شراء منظومة إس 400 الروسية و تنسيق أنقرة مع موسكو في الملف السوري تقلق الساسة الأمريكيين وتدفع بهم لممارسة المزيد من الضغط على أنقرة من خلال دعم الوحدات الكردية التي تعتبرها أنقرة منظمات إرهابية وما تشكله هذه المسألة من حساسية خاصة في صناعة القرار في دوائر قراراها.
كما تسعى واشنطن من خلال استمرارية دعمها للوحدات الكردية توفير عوامل القوة على الأرض للمكون العسكري الكردي في ظل تمددها غير الطبيعي خارج مناطق حاضنتها الشعبية إلى مناطق ذات غالبية عربية يعول عليها كل من الأسد وحلفائه في تقويض النفوذ الأمريكي، وذلك بدعم المكون العشائري العربي في مواجهتها، وهي حلقة من حلقات الصراع الإيراني الأمريكي على المنطقة من الممكن أن تنسف ما بنته الولايات المتحدة غرب الفرات في أي لحظة.
مصير (قسد) ودورها القادم في سورية سيرسم ملامح التحالفات الإقليمية في المنطقة ويحدد أبعاد الحل في سورية بين الأطراف المنخرطة في هذا الصراع، وهو ما ستبدأ به تركيا أولاً كونها المتضرر الأكبر من هذا الدعم الغربي لقسد، وذلك ما سيقوم به وزير خارجيتها عقب نهاية الانتخابات التركية في زيارة لنظيره الأمريكي. فهل يفتح ترامب مزاد (قسد) أم أنه سيستمر في استخدامها عصا تأديب؟