يبرع السوريون في التبرير، وفي الانتصار للآراء التي يتبنونها أكثر من سواهم، عناداً ليس إلا، فحتى عندما يتم إقناعهم بما هو خلاف رأيهم، يلجؤون لتبرير هذا الرأي وإخراجه من حيز الخطأ بمجموعة من الإضافات القصديّة التي لم يدركها المتلقي للوهلة الأولى، فجملة “صحيح فقد كان قصدي كذا” ترافق شتى الهزائم الحوارية عندما لا يبقى مخرج آخر للهروب إلى الأمام.
النموذج السابق هو من أفضل النماذج تقريباً حيث يصل إلى التبرير من أجل تخفيف إيقاع الهزيمة في داخله، لأنه اقتنع بعد جدل أفلاطوني طويل أنّه ربما يكون مخطئاً، أمّا النموذج المعتاد، فهو الذي يفهم جيداً فلسفة أفلاطون الحوارية، حيث أنّ الديالكتيك يعيد إنتاج نفسه باستمرار ليصل إلى نفسه مرة أخرى من أجل استمرار إنتاج المعرفة بالجدل، أو من أجل الوصول إلى حقيقة ما يتبناه المعاند السوري الشائع .
طبعاً ليس السوريون أنفسهم هم من يتميز بالمعاندة، بل هناك الكثير من الناس في العالم ممّن تنطبق عليهم هذه الصفة، ولكني سوري أخاطب أبناء قومي، وأرى بعناد خاص أننا محتاجون جداً للتركيز على السلبيات لكي نستطيع التخلص منها.
إنّ الدفاع عن الآراء دون بينة وعلم هي من أهم المشكلات التي عانى منها جيل الثورة، وخاصة عندما يتم تبني الكثير من هذه الآراء بالاعتماد على مواقف مسبقة وشائعات توافق الهوى الخاص لكلٍّ منّا، دون بذل أي عناء للتحقق.
اليقين الذي يشبه الإيمان بالمغيبات يسيطر على كثير من مفاصل الحياة العملية، خاصة في مجال التخوين والتخوين المضاد، وصناعة الاصطفافات والإقصاء وحب الظهور المتميّز، حتى ولو كان على شكل حمق متراكب بعضه فوق بعض. يكفي حينها أن تسمع خبراً من صديق، أو تنسج خيالاً خاصاً بك بالاعتماد على مجموعة أخبار لتجعله أحد الاستنتاجات الفريدة، وتبني على أساسه جملة من المعتقدات التي تدافع عنها حتى دون أدلة، كثيراً ما يحدث هذا بطريقة استعلائية فيها ثقة زائدة بالنفس ليكون الشاهد الفريد، هو جملة “أنت ما بتعرف شي” وتنتشر الجملة في وسط معجبي من يظنون أنه يعرف، ويُدافع عنها بعناد أسطوري بالاعتماد على توالدات هذه الجملة العجيبة التي تنسب الجهل للآخرين دون القدرة على تقديم دليل واحد ..
وربما قد صدق من قال “ومن لا يعلم فقد حاز نصف العلم” .. صباحكم أنصاف علماء
المدير العام / أحمد وديع العبسي