يبدو أنَّ الجمهورية الخمينية بدأت بالأفول بعد أن هبَّت رياح التغيير لربيع يطالب بحقوقه، ويريد شكلاً جديداً في نظمه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وعلاقاته الإنسانية في محيطه الإقليمي والدولي.
المجتمع الإيراني بات يعي المنزلق الخطير الذي يقوده إليه هذا الحكم الثيوقراطي الذي نفضت غباره أمم الأرض عن كاهلها منذ مئات السنيين، فالطبقة الدينية في إيران لم تجلب لشعبها سوى الفقر والعزلة والعقوبات على الرغم من توفر الإمكانات والمقومات التي من الممكن أن تجعلها بمصافي الدول المتقدمة.
حلكة ظلام القبور التي يقطنها الإيرانيون في كبرى مدن الشرق ينطلق منها الآن وميض أمل ليبدد سنين النفاق والرياء السياسي المقنع بعباءة الدين القابض على مفاصل الحياة بعصى الاستبداد والقمع لمجتمع غني بطاقاته وثرواته وثقافته وتراثه وتنوعه.
لم يكن غريباً أن تستشري نار الحرية والحق في مسالك الباطل، فمجتمع يؤمن بفطرته بفكرة المظلومية في معتقده لن يتوانى يوماً عن رفع الظلم القابع عليه.
إنَّ نظام الحوزات الإرهابي الذي يشبه في تعامله السياسي والاجتماعي النظام الكهنوتي في العصور الوسطى بنى هرميته في الحكم من خلال أصحاب العمائم المتشربين من مناهل البغض والحقد الطائفي، فشكلوا النواة الرئيسة للدولة العميقة داخل المنظومة الاجتماعية للمجتمع الإيراني، ما أدى إلى ظهور شرخ عميق بين هذه الطغمة والمجتمع.
شكَّل هذا النظام أجهزة أمنية تعتبر حامية لأركان حكمه كالحرس الثوري، وفيلق القدس، وضمن ولاءها بالهبات والمناصب وغض البصر عن فسادها والتستر عليها بشعارات مقارعة الاستكبار، وتصدير الثورة وتحرير القدس ونصرة المظلومين…
ولأنَّ هذا النظام الديكتاتوري لم يحظَ بالقبول على الساحة الدولية، وتعرضت أركانه لموجات تغيير و احتجاج خلال فترة وجيزة على صعيد الجبهة الداخلية، بات يبحث عن عدو يصنعه للشعب، و يمنيه بانتصارات خارجية وثأر قومي وطائفي ليصرف نظره عن سوء الأوضاع الداخلية المتردية، في حين كان ينفق على دعم ميليشيات موالية له المليارات لتوسع إمبراطورتيه المتطرفة على حساب دول الجوار واستعدائها ضارباً عرض الحائط كل أواصر العلاقة الإنسانية والحضارية الضاربة في التاريخ بين شعوب المنطقة.
إنَّ هذا السمو في أهدف التحرك لإسقاط النظام الطائفي لا يحسب تطوراً أو تغيراً سياسياً فقط، بل قفزة كبيرة على سلم التطور الإنساني بالتخلص من نظام رجعي قمعي ينفق على البكائيين والرواديد والطقوس المذهبية المحرضة على الضغينة والحقد أكثر ما ينفق على التعليم والصحة، وإنَّ بقاء هكذا نظام مرتبط بسفك دماء الشعوب، ودعم الأنظمة الشبيهة بتركيبته.
أتمنى للشعب الإيراني أن يحقق النصر في ثورته ويستأصل هذا الورم السرطاني من المنطقة، وأن تعود إيران إلى محيطها الإقليمي والإسلامي بثقافتها ووزنها التاريخي، فشعب إيران الذي قدم للأمة الإسلامية كبار العلماء والفاتحين، وارتبط مصيره بمصير أبناء المنطقة على السراء والضراء، لن يقبل بمجرمين يعيثون بها فساداً وخراباً.. وليسقط الديكتاتور.