يسرى عبدو
“ربّ ضارة نافعة” مصطلح سمعناه كثيراً ولم نتيقن به إلى أن لمسناه بواقعنا المرّ؛ وهذا ما تجلّى معناه في إغلاق طريق الكاستيلو؛ فقد كان له وقعٌ وأثر إيجابي في قلب مجريات المعارك وظروفها المهيّئة لها على الرغم من وقعه السلبي وأثره المباشر في نفوس الناس.
فمنذ انطلاقة ثورتنا، ثورةُ العز والكرامة امتزج تراب الوطن بدماء أبنائنا الأبطال، وقدمنا الغالي والنفيس حتى ننال حريتنا، حيث خرجت فئة من الشعب دون أن تأبه بالضرر المنعكس عليها ودون أن تبخس بالعطاء فكانت ثورة بامتياز، وما لبث المجاهدون فترة طويلة من الزمن حتى تحررت على أيديهم مساحة لا يستهان بها رغم قلة أسلحتهم مقارنة مع ما يمتلكه النظام الغاشم من عدة وعتاد.
ومنذ ذلك الحين وخلال السنتين الأوليتين لم نعهد للمجاهدين الأحرار من تراجع يذكر ضمن حلب، ولكن مع امتداد مدة الحرب واستطالتها بدأت تتغيّر استراتيجيات إدارة المعارك وخاصة في المواقع الحساسة، حيث أخذت بعض المناطق تنهار بيد النظام السوري وحلفائه واحدة تلو الأخرى وذلك لأسباب عديدة أهمها:
1ـ خيانة بعض القادة وجشعهم
2ـ غرف الموك والموم ودولاراته.
3ـ الطيران الروسي والسوري، هذا ما عدا جيوش حزب حالش ومرتزقة شيعة العراق وغيرها التي عجزت عن تحقيق أدنى تقدم لها على الأرض.
وقد أوصلنا المثلث السابق إلى شبح الحصار الذي أخذ النظام يهددنا به لأعوام، وبالفعل كان له ما أراد وضاقت الأرض بما رحبت علينا.
فالجميع ينظر للحصار على أنه وباء لا شفاء منه، ولم يعلموا بأنَّ الله تعالى يجعل للمتقين من كل ضيق مخرجاً.
فالطمأنينة التي استقرت قلوبنا هي التي جعلتنا نفكر في إيجابيات الحصار، فإن ّلهذا الحصار جوانب ايجابية، وهي الرجوع إلى الله تعالى وإخلاص النية في إعلاء كلمة التوحيد بعد أن أصبحت الدولارات وجمعها همّ الكثيرين.
كما لا نستطيع أن ننكر تآلف القلوب والإحساس بالغير والتقارب الاجتماعي بين أهالي كل منطقة؛ فلولا الحصار لما تشابكت الأيدي وتعاطفت القلوب.
كما أننا لا ننسى بعض تجار الحرب الذين قاموا باحتكار ما لديهم من مواد غذائية وغيرها من المستلزمات، ولكن من رأيتهم ومررت بهم قدموا ما يملكون من سلع بقيمتها الحقيقية، والجدير بالذكر أنَّ أحد التجار أمّن للمجاهدين بعض المواد الغذائية ولم يرضَ بتقاضي ثمنها قائلاً: أنا لست أقل حباً لله من المجاهد الذي قدّم روحه ليفتح لنا الطريق.
حتى الأطفال الصغار لبّوا النداء وأخذوا بجمع (الدواليب) دون أي توانٍ، فلا ننسى دورهم المميز الذي حيّر الطيران الروسي وساعد في رفع معنوياتنا ورسم البسمة على وجوهنا عندما كنا نراهم يحاولون حرق الإطارات فقد حوّلوا محنتهم الى منحة لعب ومرح مع أصدقائهم بتشكيل كتائب صغيرة اختصت بحرق الإطارات تضامناً مع الشباب والكتائب الأخرى.
وأخيراً وليس آخراً من رحم اليأس يولد الأمل كذلك كان حالنا أثناء الحصار ننتظر الفرج من الله تعالى مع انقطاع سُبل العيش، فنعيش على أمل الغد.
وقد منّ الله علينا بفتح طريق جديد بهمة المجاهدين وتوحدهم؛ فلولا الحصار لما تَنبّهوا لضرورة اجتماعهم على كلمةٍ واحدة وتوحيد سبل تحقيق هدفنا المشترك، ولولا الحصار لما بدأ معركة حلب الكبرى بعد…
وما زلنا عند حسن ظننا بالله تعالى بتحرير حلب كاملة ومن ثم سوريا الحبيبة.