غسان الجمعة |
أدى رأس النظام السوري مؤخراً نشاطاً مفاجئاً على الساحة السورية بالتوازي مع المتغيرات التي طرأت على الملف السوري بداية من عملية نبع السلام ومروراً بالانسحاب الأمريكي ومقتل البغدادي، وليس نهاية بانطلاق أعمال اللجنة الدستورية في جنيف.
حيث ظهر الأسد على تخوم إدلب في زيارة ميدانية، وظهر في لقاء مصور مع وسائل إعلام محلية موالية، فمن دفع الأسد للتحرك وماهي أهدافه من ذلك؟
البداية كانت من شرق الفرات مع إبرام روسيا وتركيا لاتفاق سوتشي فيما يخص المنطقة الآمنة، إذ صرح الأسد بشأنه بأنه اتفاق مؤقت يهدف إلى لجم “الأطماع التركية” والتمهيد لتحرير المنطقة، حسب زعمه، في حين إن الاتفاق يدخل في إطار التحديث لاتفاق أضنة الموقع بين الجانبين السوري والتركي في العام 1999 وهو ما صرح به لافروف علانية بإمكانية توسيعه وبحث تفاصيل جديدة فيه، وهو ما حدث فعلاً حيث تعمقت تركيا بمسافة أكبر ضمن الأراضي السورية بالتفاهم مع الجانب الروسي وكيل شرعية الأسد في سياق التنسيق المشترك بين أنقرة وموسكو في سورية، حيث حصلت روسيا على موطئ قدم شرقي الفرات وحققت أنقرة والجيش الوطني أهدافهما بطرد الميليشيات الانفصالية من مناطق شاسعة تمت إضافتها إلى سلة المكاسب وإن اختلفت من حيث وجهات النظر بين الحلفين.
هذا الاتفاق أزعج الإيرانيين لأنهم لم يكونوا طرفاً فيه وشعروا ببداية اللعبة الدولية عملياً في تقليم أظافرها من سورية، فدفعوا بالأسد للواجهة لإرسال رسائل للمجتمع الدولي عموماً وروسيا خصوصاً، وإن كان الأسد حاول جاهداً انتقاء كلماته بحذر خشية إغضاب الروس، ولكنه سيكون مضطراً أيضاً لإرضاء طهران بالحد المعقول.
كما أن زيارته لإدلب تندرج أيضاً تحت بند التوجيه الإيراني الذي سبق اجتماع أردوغان وبوتين بساعات، في خطوة فسرها مراقبون بأنها رغبة إيرانية لنسف الانسجام الروسي التركي في سورية من خلال انفرادها مؤخراً بمحاولات مكثفة لاحتلال تلة الكبينة والاستمرار في زعزعة استقرار منطقة إدلب من خلال شبيحة الأسد وميليشياتها في ضوء نشوء علاقات روسية تركية في مناطق داخل سيطرة الأسد سواء في شرق الفرات أم في ريف حماة، حيث تقع نقطة مراقبة تركية في مورك تحت الحماية الروسية.
كما أن الأسد أراد إيصال رسالة خاصة تضمن بقائه في السلطة بأي شكل للمجتمعين في جنيف تحت بند الانقلاب لمسار سوتشي، حيث أكد أن الانتخابات ستشرف عليها الدولة السورية، ما يعني إشراف الأسد عليها و ضمان نسب 99% لمصالح نظامه و الرفض الشعبي بالأعراس الوطنية لأي تعديلات من الممكن أن تلبي حقيقة مطالب السورين التي ثاروا من أجلها، وصرح أن وفد النظام هو جغرافياً في جنيف أما سياسياً فهو مع مسار سوتشي، في تحدٍّ واضح للإرادة الدولية التي تتبنى مسار جنيف الذي فصلت روسيا نسختها منه في سوتشي حينها لمآربها الخاصة التي لم تعد تتمسك به عملياً في ظل الاعتراض المستمر للمجتمع الدولي على هذا المسار، وربط أموال إعادة الإعمار بتطبيق الحل السياسي وفق مسار جنيف.
يخوض الأسد اليوم معركتين، الأولى داخلية بين حلفائه حيث تقترب يوماً بعد يوم لحظة الخلاف على النفوذ واقتسام سورية الأسد، وهو بذلك في وضع صعب جداً حيث تكاد تكون خياراته بين الطرفين أقرب للانتحار، بينما يخوض الثانية سياسياً مع التوافقات الإقليمية بين اللاعبين الكبار التي استنفذت رصيدها من دم الشعب السوري الذي كان الأسد فيها شريكاً، بينما بات اليوم هو قربانها. فهل يكون النفط والدستور العسل الذي قد يدس فيه السم للأسد؟!