تقرير: عمر عربإنَّها المياه التي جعل الله سبحانه منها كل شيء حيّ، والتي بها وحولها تنشأ الحياة والاستقرار والحضارة والعيش الرغيد. إنَّها أهم ما يلزم الاهتمام به، لأنَّها أصل الحياة، وبين المياه الغائرة في باطن الأرض والمشاكل الطافية على سطح الحياة يعيش أهالي مدينة حلب مفارقة صعبة لا يُدرك مدى تأثيرها على حياتهم سواهم، ولم يعد بمقدورهم سوى الانتظار، انتظار المياه المنقطعة في أغلب الأوقات وعن معظم الأحياء، حيث تستمر مدة انقطاعها لأكثر من أسبوعين، مشكلة أخرى أُضيفت إلى قائمة معاناتهم الطويلة والتي تكاد لا تنتهي بل تتجدد في كل يوم وحَدث يمرُّ في حياتهم.فأزمة المياه شكلت بالنسبة إليهم عائقا جسيما لا سيَّما أنَّ للمياه صلة كبيرة بكل نواحي الحياة ولا يمكن الاستغناء عنها، وفي كل مرة يتبادل كل من طرفي النزاع “الحر والنظام” الاتهامات دون إيجاد حل جذري لهذه المشكلة، ويبقى الناس هم المتضرر الأكبر، لذلك فقد انصرف تركيز واهتمام الناس على مصدر آخر للمياه يعتمدون عليه في حياتهم وتلبية حاجياتهم ألا وهو حفر الآبار، والتي سدَّت بعضًا من احتياجاتهم وأعانتهم، إلا أنَّ هذه الظاهرة ما لبثت أن انتشرت وبشكل كبير جداً في الأحياء المحررة، لترى في الحي الواحد بئرين أو ثلاثة، ذلك أنَّ هذا الأمر له إيجابيات كما له سلبيات، فصحيح أنَّ هذا البئر يساهم في تلبية حاجة الناس للماء الذي لا يمكن العيش من دونه، لكن في نفس الوقت كثرتها تؤثر على ثروة المياه الجوفية الموجودة داخل باطن الأرض، والذي سيؤثر سلباً ويؤدي إلى انخفاض مستوى منسوب المياه فيها مع مرور الوقت، عداك عن المشكل الصحية التي ربَّما تصيب الناس جرَّاء شربهم لها، حيث أنَّها تسبب أمراضًا معوية وخاصة للصغار.”أسامة 50 سنة: أزمة انقطاع المياه سببت حالة من الضجر والتململ لدى جميع الناس، وبات الجميع يبحث عن حل لهذه المشكلة، فالجميع يعاني من العذاب في نقل الماء من حي يوجد فيه بئر إلى منزله، وخاصة من كان بيته في الطوابق العليا، أمَّا البعض الآخر فيتحول إلى شراء الماء من الصهاريج المتنقلة على الرغم من ضعف قدرته المادية، وطبعاً نحن لسنا متأكدين من نظافة الماء، لذلك قررت مجموعة من رجال الحي الاشتراك على حفر بئر في الحي يمكن أن يخدمه ويغطي حاجة سكانه من الماء، كما قمنا بوضع عدد من الخزانات في الشارع وتزويدها بماء البئر كي يستفيد عدد أكبر من الناس من الماء.”عبد الرزاق 47 سنة: قمت بحفر بئر ماء بالقرب من بيتي، وذلك كي يزودني بكفايتي من الماء، ويستفيد منه جيراني لنرتاح من عناء النقل من أحياء أخرى، لكن للأسف بعد شهرين من حفره توقف المحرك “الغطاس” عن ضخ المياه فلا يلبث أن يعمل لمدة عشر دقائق حتى تنقطع المياه، وعندما سألت عن السبب تبين بأنَّ منسوب المياه قد انخفض وعلي الحفر مرة أخرى في الأرض بعمق أكثر حتى يخرج الماء بشكل أفضل، وبالفعل عندما حفرت أعمق عمَّا قبل أصبح وضع الماء جيداً”.وقد بيَّنت دراسة بأنَّ معدل الموارد المائية المتجددة السطحية والجوفية في الأحواض المائية في سورية والتي تقدر بحوالي/10000/ مليون متر مكعب سنوياً، وفي ضوء الاستخدامات الحالية للمياه فإنَّ سورية تعاني من عجز مائي في أحواض بردى والأعوج واليرموك والخابور، وسيتراكم العجز المائي آنف الذكر في حال تعاقبت سنوات جافة أو جافة جداً، وسيكون التسديد على حساب المياه الجوفية، وسيؤدي ذلك إلى انخفاض منسوب المياه في الآبار، الأمر الذي أدَّى إلى خروج بعض الآبار من الاستثمار الزراعي، وإلى حفر آبار في مناطق أخرى، كما أنَّه سيؤدي إلى جفاف بعض الينابيع كمصدر لمياه الشرب، وبالتالي وجود آثار صحية وكلف اقتصادية عالية عند الحاجة لاستعمال مياه ذات نوعية سيئة أو البحث عن إمدادات مياه بديلة، إضافة إلى زيادة مستوى ملوحة المياه الجوفية، وهذا يعتبر مؤشرا على استنزاف المياه الجوفية وتراجع منسوب وغزارة المياه في الأنهار ممَّا يؤدي إلى نوعية مياه سيئة.أي أنَّ المخزون المائي في الطبقات الجوفية يتناقص بشكل كبير ومقلق تزامناً مع النقص المتوقع في كميات هطول الأمطار نتيجة تغير المناخ في منطقة تشكو في الأساس من شح المياه، وإذا أضفنا إلى ذلك التوترات وعدم الاستقرار في المنطقة، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى إعاقة المشروعات التنموية.فجميع الدراسات تبين أنَّ المنطقة وخاصة العربية ستشهد أزمة كبيرة في المياه نتيجة التغيرات المناخية والسكانية الكبيرة، والماء هو من أهم الموارد الطبيعية على الإطلاق، ذلك لأنَّه عصب الحياة والعمود الفقري، لذلك يجب على الجميع الحفاظ عليه وعدم هدره والاستهتار بهذه النعمة الكبيرة كي لا نضطر يوما ما الجري مسافات للبحث عن قطرة ماء، وخصوصا في ظل الظروف الي نعيشها في بلدنا من حرب ودمار لجميع المنشآت، والتي في الظروف الراهنة لا يمكن إلا محاولة الحفاظ عليها.