نقاط حول المواطنة بين الدولة المعاصرة والدولة الإسلامية
١. مفهوم الدولة من المفاهيم الحية والمتجددة، فلا ينبغي الوقوف عند شكله كأحد الثوابت، بل التفكير فيها على أنها متطورة بحسب تطور فكر الإنسان وتجربته في الحياة، وبالتالي فالتمسك بشكل تاريخي معين هو عكس حركة الحياة وتجددها.
٢. المفهوم الحديث للدولة المعاصرة اليوم لا علاقة له بما نطلق عليه الدولة في التاريخ الاسلامي، فمصطلح الدولة في التاريخ الإسلامي كان يعني التداول الأسري، كقولهم الدولة الأموية، أو التداول الفردي كقولهم دولة المعتصم، أما الدولة اليوم فهو مصطلح مؤسسي.
٣. لا شك أن القرآن فيه منظومة قيمية كبرى لبناء مجتمعات حرة وحية وقوية، فهو قد أكد على أن البشر طبيعتهم الاختلاف وأن البشر بغالبيتهم لن يؤمنوا، وأن المطلوب منهم أن يوقفوا سفك الدماء والإفساد، وأن يعمروا الأرض، ولأجل ذلك شرع قيم التساكن مثل التعاقد والبر والقسط بين الناس على اختلاف أديانهم، ونظم الدعوة فلا سيطرة ولا تجبر ولا وصاية ولا وكالة، بل خطاب بالحسنى وتجاوز عن الإساءة، وضيق دائرة الحرب برد الاعتداء والعدوان. كل ذلك معروف ولكن يبقى السؤال : لماذا لم تنمو هذه القيم في مجتمعاتنا رغم وضوحها بل وصلنا إلى عكس مضامينها الواضحة؟
٤. لقد تعطل مفهوم القيم القرآنية الكبرى لسببين: الأول: أن منظومة القيم ضربت بمعولين ، أولهما بمقولة “النسخ” حتى قيل أن كل آيات الرحمة نسخت بآية السيف فاختل بناء المعمار القرآني المفاهيمي في العقل المسلم.
وثانيهما: هو توقف الحوار المعرفي النظري في بنية القيم وجوهرها بسبب الصراع الذي دار مع الفلسفة فتوقف النص وتوقف العقل.
٥.لقد تحولت قيم الإسلام الكبرى إما لقيم تمدح في مواجهة الآخر، أو لمنابر الوعظ ولم تنتقل لتشكل الواقع الحي.
ومع توقفنا تقدمت البشرية لتبحث القيم وتؤسس منظومات حياتها، أصبحت الأسبقية لها في التنظير والتجريب والتطوير ، وأصبحت تلك الأمم هي مصدر المعايير والجودة في مختلف مجالات الحياة.
ورحلة التعلم بالنسبة لهذه الأمم أخذت ما يزيد على عشرة قرون، مرّ فيها الغرب المقابل بعصر النهضة وعصر التنوير ثم بالعصور الحديثة عبر مخاض كبير وحروب طاحنة وتعلّم، ولايزال يتعلم أسس التعايش البيئي والداخلي.
ونحن أمامنا مسارات متعددة إما أن نبدأ من حيث انتهت البشرية في تطورها ثم نقدم اضافاتنا إن وجدت او نرتد لأفكار العصور الوسطى ثم نمارس تجربتنا الخاصة فنعيد انتاج كل أنواع الحروب الداخلية والدينية حتى نتعلم عقم هذه المسارات.
٦. للدولة اليوم ثلاث متطلبات أساسية وهي: الوجود ، الاستقرار ، النمو. هذه هي المعادلة الأساسية، التي يحتاج كل من يفكر اليوم في موضوع الدولة ان ينظر في قدرة نموذجه على تحقيقها في ظل الواقع المحلي والإقليمي والدولي وبدون تحقيق هذه المعايير فالناس تقفز في المجهول وتبني قصوراً من رمال كما هو مشاهد اليوم .
٧. أما المسلم اليوم وفي ظل الدولة المعاصرة فيريد ما يريده البشر وهو تحقق أمران عبر عنهما إمام المعتزلة في عصره أبو علي الجبائي حين سُئل ما دار الاسلام فقال: دار الاسلام حيث أقيم شعيرتي وأقول رأيي غير خائف.
٨. الناس تفكر في مصطلحات مثل الدولة الاسلامية والخلافة ولكن دون وضوح في المضامين والمحتوى، وتكلفة مثل هذه الافكار غير المحررة دماء واعراض وضياع اوطان ولكن اصحابها قلمّا يقفون ليسألوا أنفسهم عن مصداقية شواهدهم وأسس أفكارهم بسبب كثرة تكراراها حتى أصبحت من المسلمات.
الأمة بحاجة لمسيرة رشد تستعيد فيها عافيتها فتعيد للبناء القرآني القيمي نسقه، وبحاجة لمساحة من النظر العقلي الدقيق والعلمي الذي يحرر مناطق النزاع ويرسم للأمة طريق تقدمها دون افراط ولا تفريط.