صَيحةٌ بدأت تعلو على منصات التواصل اﻻجتماعي، ومطالبةٌ جادة بوضعِ حدٍّ لأزمةٍ فرضت على الشاب السوري تركَ مقعد الدراسة وكرسي الوظيفة مرغماً ليحمل السلاح.
الكلُّ يعتقد أنه يقف إلى جانب الحق، والتهمة مثل كرة المضرب تتنقل في الملعب بين الفريقين، دون اﻻنتهاء إلى لحظةٍ يصفّرُ فيها الحكم معلناً انتهاء اللعبة.
بعيداً عن انعدام ضمير الحكم الذي قرر وضع نظاراتٍ سوداء فوق عينيه؛ فقد بدا واضحاً انهيار الطرفين، حتى أنّ المعارضة والمواﻻة باتت تلعب دور المصارع ليس خدمةً ﻷجندةٍ وطنية بقدر ما تلوذ بوضوح بتبعيتها ﻷجندات المحركين لها.
رغم أنّ الفارق كبير بين مطلب الفريقين في ترك السلاح، نتيجة اختلافٍ جذري في العقيدة القتالية التي يحملانها، إﻻ أنّ الرغبة في وقف الحرب العبثية بمنظور البعض بات ضرورة.
توصيفها بأنها حربٌ عبثية نابعٌ دون شك من طبيعة المشهد السياسي المنعكس على الميدان العسكري، ولعل المواطن السوري بات متيقناً بحقيقة غياب دور النظام السوري والمعارضة السياسية عن المفاوضات، وهذا ما رأيناه جلياً في مؤتمر سوتشي الذي انتهى باتفاق الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين، وغياب الجانب السوري بغض النظر عن مسماه.
قواعد المعركة اختلفت، الإستراتيجية الروسية التي مررت فكرة المصالحات بالقوة الخشنة والناعمة، مع حالة الخذلان الدولي للتطلع الشعبي نحو الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات والمواطنة، أوصل إلى أفقٍ مسدود، وتململٍ كبير في صفوف القاعدة الشعبية الحاضنة للثورة، فضلاً عن انعدام المشروع الثوري وامتلاك الفصائل رؤية مستقبلية.
“سرحونا من الجيش”
البعض ترك القلم وانتقل من الحياة المدنية إلى العسكرية، داخل مناطق النظام والمعارضة على حدٍّ سواء، ولعل الغالبية العظمى من بين هؤﻻء تحاول أن تهمس سراً أو تصرخ جهراً، بتلك العبارة: “سرِّحونا من الجيش”.
يحكم سورية اليوم “فلاديمير بوتين” وليس بشار اﻷسد، وﻻ حتى أبو بكر البغدادي، بعد أن ترجحت كفة الحرب وتنقلت بين النظام والتنظيم، فهاب الشباب الوقوع فريسة المشروعين. لوﻻ أن كان قدر الله وانحسر أحدهما بطريقةٍ مريبة.
عملياً فكرة حمل السلاح ومقارعة سطوة طغيان النظام السوري مرفوضة كلياً، مالم يتوفر البديل الذي يحمي الطرف اﻷضعف المحاصر داخل مربع الشمال السوري المحرر.
بالمقابل؛ فقدان اﻹيمان بالقضية واﻹحساس بأنّ “خدمة العلم” لم تعد تحمل ذاك الطابع الوطني، بعد أن تحولت سورية إلى روسيا، وليس ذاك تصحيفاً وإنّما حقيقة تشهد عليها صور السيد الرئيس المناضل فلاديمير بوتين، التي تتربع إلى جانب اﻷسد في الطرقات.
انعدام الشعور بمعنى ومغزى القضية سيدفع إلى مزيدٍ من الصيحات المطالبة بحسم ملف “خدمة العلم” داخل المربع الذي يحرسه نظام اﻷسد. وليس مستبعداً أن نشهد في الفترة القادمة ثورةً ناعمةً داخل صفوف الجيش التابع للأسد.
اﻷيام حبلى بالمفاجآت، والمعركة الفكرية والعسكرية بين معسكر المعارضة والمواﻻة ماتزال قائمة؛ كنتيجة حتمية ﻻنعدام الثقة، إن جاز التعبير، بين الفريقين، مع غياب الدور الحقيقي للضامن التركي-الروسي.
بالمحصلة؛ ما قدمته القيادة “الحكيمة” للجيش العربي السوري بحسب ما عرض في أحد مواقع التواصل اﻻجتماعي، ﻷحد “شهدائهم”؛ خطاباً سخيفاً، وتمجيداً للقائد اﻷسد، وقطعة قماش، علم البعث، ﻻ تتجاوز قيمتها الدوﻻرين.. كأننا أمام تطبيقٍ عملي للآية الكريمة في حقِّ فرعون: ((فاستخف قومه)).